لن يتوقف قطار الإصلاح السياسي في انتظار متخلفين أو خوالف، يريدونها خلافة تنصل منها أصحابها وتبرم منها مبدعوها الأولون لأنها عصية على الانقياد، ولا يعني أن القطار يسير دون مشاكل وعقبات وعراقيل، لكن هناك تصميم على أن يصل آمنا لكل محطة من محطاته، وحتى إذا تعرض لمحاولات تخريب فإنه يواصل دون توقف ويصلح الأعطاب في الحين.عندما استأنف القطار رحلته بعد خطاب التاسع من مارس الماضي معلنا الإيذان ببدء معركة جديدة من معارك الإصلاح السياسي، ظن البعض أن في ذلك جوابا على احتياجات اللحظة، طبعا في هذا جزء من الحقيقة لأن المؤسسة الملكية تستجيب دائما بسرعة لمطالب التغيير، لكن الموضوع أكبر من ذلك، إنه مسار دولة ومجتمع قررا الثورة على الركود والجمود، والشروع في بناء دولة جديدة بمواصفات جديدة تنسجم مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ولا تنفصل عن خصوصياتها التاريخية.ورغم أن حسن النية متوفر في مسار الإصلاح السياسي غير أن البعض، من المشارك في اللعبة السياسية والرافض لها، خاض معركة التشكيك في حقيقة التغييرات حتى دون أن تنطلق، وذلك رغبة في التشويش على مسيرة التحول الديمقراطي، لأن بعض القوى لا تنتعش إلا في الفوضى والظلام وإذا أشرقت شمس الصباح انكشفت عوراتهم.وبعد أيام ستشرع دوائر السلطات في تلقي الترشيحات للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 25 من الشهر المقبل، وهي أول انتخابات تخرج من دائرة نفوذ وزارة الداخلية لتدخل تحت إشراف مستقل للقضاة، فهذه السلطة هي من سيقرر في مسار الانتخابات.وقبلها أنجز المغرب منظومة انتخابية نوعية، منظومة تم تمريرها بعد تمحيصها ومراجعتها، منظومة أثارت نقاشا قويا فجاءت قوية في حجم تطلعات الدستور الجديد، ويستحق وزير الداخلية مولاي الطيب الشرقاوي ميزة الإشراف على تلك المنظومة التي احتاجت إلى كبير عناء وتضحية واحتاجت إلى الوقت الكافي لإخراجها في المستوى الحالي، ولقي من أجلها انتقادات كثيرة لكن شهد له الجميع احتفاظه بالهدوء حتى تمر العاصفة المتولدة عن رغبات حزبية ضيقة، وفعلا مرت الأمور بسلام وأصبح المغرب يتوفر على ترسانة قانونية صلبة تتعلق بالانتخابات لا يمكن خرقها بسهولة.ومما يعزز صمود هذه الترسانة القانونية هو الوضع الذي توجد فيه الأحزاب السياسية اليوم، فهي تنظيمات قادرة على تمرير برامجها والحكم من خلالها إذا منحها الناخبون أصواتهم، لكن في الوقت نفسه أصبحت تحت مجهر المراقبة ولم تعد مالية الحزب حسابا يتصرف فيه شخصا أو اثنين ولكن أصبح مخصصا لتسيير الحزب وإدارة شؤونه.كل هذه التحولات العميقة لها هدف واحد هو تأهيل المغرب للآتي منن الأيام، والتي قد تكون صعبة بحكم المتغيرات الدولية وحتى الديموغرافية التي تؤثر على بنية المجتمع.