قديما، بل قديما جدا، يعني منذ حوالي أربعة أشهر فقط، وعندما كان شباط يعارض ابن كيران، كان يقول للمغاربة إن هذا الأخير في علاقة ملتبسة مع “داعش” فقط لاغير..
غير ما مرة، أتى شباط إلى البرلمان لكي يعيد على المسامع نفس الجملة: “أريد توضيحا من رئيس الحكومة عن علاقته بداعش والنصرة، فهل يستطيع أن يقدم لي هذا التوضيح؟”.
لم يرد ابن كيران يوما بشكل مباشر على شباط زعيم حزب الاستقلال بالتحديد عن هذا السؤال، وظل يلمح من باب أو من آخر أن الرجل غير مسؤول عن أقواله، وأن هناك بعض الأسئلة التي تدخل في إطار العبث الذي يجب أن تصان منه أفعال العقلاء، وأحيانا حتى أقوالهم..
اليوم غير شباط رأيه ليس في داعش والنصرة، بل في ابن كيران وعلاقته بهما، وأعلن أنه سيتحالف مع الرجل إذا ما مرت الانتخابات بسلام، وهو التحالف الذي توج به زعيم الاستقلاليين الحاليين (ولابد من هذا التصنيف لمن يعرف حال الحزب اليوم) “مراجعته الفكرية” التي قام بها بعد الانتخابات المحلية مباشرة حين أعلن الدعم الكامل لعمدة فاس الجديد الأزمي، وأشهر على العلن توبته من كل ماقاله أو فعله في حق “البيجيدي” سابقا.
كل هذا عادي، ومقبول لأن السياسة لا تعترف بصداقات دائمة ولا بعداوات دائمة، بل بالمصالح الدائمة، لكن السؤال الذي لايستطيع كل متتبعي المشهد السياسي المغربي منع أنفسهم من طرحه بعد الانقلاب المدوي في تصور شباط للعدالة والتنمية ولكل تطورات المشهد السياسي المغربي هو : الآن وشباط يهاجم جهة أخرى هي البام ومعه أو قبله وزارة الداخلية ويقول فيهما معا “شعرا”، من أو ما الذي سيضمن للناس ألا يغير شباط والاستقلال في صيغته الحالية من تصوراتهم للمشهد السياسي الحالي بعد الانتخابات البرلمانية؟
للكل تجربة سابقة سيئة مع الرجل ومع حزبه، فهما معا كانا يقولان إن البيجيدي حليف لداعش والنصرة، وهذا الاتهام ليس اتهاما تافها أو صغيرا.
هذا الاتهام زلزال وقنبلة، بالمعنيين الكاملين للكلمتين. ولو كنا في بلد يعير سياسييه قليل اعتبار، ويتعامل معهم على أساس أنهم كائنات عاقلة لا تلقي الكلام على عواهنه، لكان واحد من الرجلين ضيفا مكرما على “البسيج” في مقره بسلا: إماابن كيران لأن شباط اتهمه عن بينة وبالدليل بتورطه في علاقة ما مع داعش والنصرة. وإما شباط لأنه اتهم رئيس الحكومة باتهام يقيم الدنيا ولا يقعدها..
لحسن الحظ، نحن في بلد يعرف أن مايقوله حزبيوه يخضع عادة للانفعال اللحظي، ويعرف أنه من الضروري عدم الوقوف عند النقطة والفاصلة لهؤلاء خصوصا عندما يكونون متحمسين أكثر من اللازم أو منفعلين بنتائج انتخابية، أو ممسوسين بأمر شخصي، أو مايشبه هذا الكلام، ويتريث كثيرا عليهم إلى أن يتوبوا ويصلحوا ويعودوا بأنفسهم عن الكلام الذي قالوه كفى.
المشكل هو أن مايفعلونه أو مايقولونه على الأصح، لأنهم لايفعلون إلا القليل من الأشياء، يضرب مصداقيتهم – إن كانت لهم مصداقية – بين الناس، ويجعل المغاربة كلما سمعوا تصريحا مهما علا حجمه، وارتفع صداه، يبتسمون في أوجه بعضهم ويحركون الرأس بتلك الطريقة الدائرية العجيبة التي يتقنها المغاربة لوحدهم وينبسون “بشحال الحولي؟ ” ويكتفون.
يبقى السؤال الأهم ختاما: من “الحولي” في المسألة كلها؟ هذا سؤال آخر لا محل له من الإعراب السياسي في موضوع اليوم نهائيا…
المختار لغزيوي