فوزية فوزي*
سؤال ربما من أصعب ما طرح ومن أصعب ما يطرح، خصوصا وأنني مغربية نهلت من معين العلماء و كبار الفلاسفة.. مغربية أحبت العدل والمساواة، وعاشقة لعدالة اجتماعية على طريقة جون جاك روسو.. مغربية تبارك كل الدساتير التي تدعو إلى المواطنة الحقة.. مغربية تبكي حين تسمع "جاك بريل" وهو يغني "نو مو كيت با"، وتغمرني السعادة حين ألبس ثوب "إيديت بياف" الباريسي أثناء سماعي لأغنيتها الرائعة " لافي أون غوز".
أغلق الكتب بعد تصفحها وأخرج لأبصر ما حولي من مستنقعات الظلم والاستبداد والتفاوت الطبقي الصارخ الذي ينخر الجسد الاجتماعي الواحد. يئن في صمت ويتجرع مرارة الهوان ويرتشف جرعات دم بدلا من ماء زلال.
نحن فخورون بغنى الهوية المغربية الأندلسية، الإسلامية ، الأمازيغية، العربية والعبرية.. والتي تكرس عراقة وأصالة هذا البلد. بلدٌ يطل على أوربا ويستنشق هواءها دون إغفال عمقه الإفريقي. بلدٌ لسانه لغة الضاد وحديثه أعجمي. بلدٌ قطع أوصال ماضيه غير الواضح المعالم والسري إلى حد ما، وحول كليشيهاته إلى صور معبرة. غايته تكريس ديموقراطية حداثية، وهي توليفة غرضها التحديث مع الحفاظ على الهوية.
كيف تكون مغربيا؟ إنه سؤال لصيق بسياستنا التي أصبحت تحتجزنا وتُمَنهج أفكارنا. وأمام هذا التحول وجب علينا أن نتسلح بالمعرفة الهادفة ونرفع لواء العلم ونرقى بحواراتنا ونستخلص دروسا انطلاقا من نقد بناء وناجع، حتى نبدع ونعبر بشكل إيجابي.
تنطلقُ التنمية الديموقراطية من سلوك المواطن المغربي اليومي في كافة جوانب الحياة، فتصبح جزءاً من ثقافة الوطن ليصبح التغيير بعد ذلك ممكناً.
هناك علاقة حقيقية بين الواقع والثقافة، وهي علاقة تساهم في إبراز الفكر؛ إذ إن الواقع يفرز قيما ثقافية واجتماعية تدعو المواطن المغربي إلى التأمل فيها باعتباره فاعلاً يمكنه أن يؤثر في حركة الوسط الذي يتفاعل معه بما يبتكره من أفكار وما يقدّمه من معارف.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن التنوع الثقافي الذي يزخر به المجتمع المغربي يعد مصدر غنى لأبناء الوطن، وحافزا على الإبداع كوسيلة ضرورية للتغيير. يصبح المواطن المغربي فاعلا متى ما استطاع المشاركة وتجسيد شخصيته الاجتماعية المتوازنة بما يتوافق ومتطلبات وتوقعات الأدوار المنوطة به داخل المجتمع.
لهذا فالسياسة الثقافية يجب أن تكون عمومية، ديمقراطية، تهدف إلى إنتاج ثقافي مشترك بين جميع الفاعلين والمسؤولين والسياسيين، وبهذا تبقى الثقافة الوسيلة القادرة على إنتاج قيم المساواة داخل المجتمع المغربي والرفع من قيم المواطنة، التعددية، التسامح.
فكفانا من إنتاج ثقافة الهزل و ثقافة اللامسؤولية، ولنسعَ إلى ثقافة الجد والمسؤولية، لأنها هي الكفيلة بإعادة الثقافة للعب أدوارها الصحيحة في أفق خلق فاعل اجتماعي مندمج داخل نسق معين يعكس شخصيته الاجتماعية ويساهم في بنائها وتشكيلها بما يخدم تطور المجتمع المغربي.
*دكتورة في سوسيولوجيا الهجرة من جامعة مونريال الكندية