*عبدالمجيد الفرجي
تابعت مراسيم تشييع جنازة محمد علي من خلال تغطيات تلفزية متنوعة، وكم اقشعر بدني حينما كان أفراد يهرولون للمس السيارة التي كانت تحمل نعش الراحل نحو متواه الأخير، إنها لحظة إنسانية مؤثرة. هكذا كان مشهد المحبين في توديع هذا الرجل، "الملاكم الأسطورة".. دموع المحبة الإنسانية تجري على خدود لا تحمل نفس لون البشرة... يوحدها الانسان.
استوقفتني كثيرا لائحة أسماء الحاضرين والكلمات التي ألقيت بمناسبة عزاء محمد علي خصوصا تلك التي تلاها الحاخام الأمريكي مايكل ليرنير في حق الفقيد حينما قال: "لن نتسامح مع السياسيين أو غيرهم الذين يهينون المسلمين ويلومونهم بسبب قلة من الناس" مواصلا كلامه بعدما استوقفته موجة من التصفيقات: "نحن نعرف كيف يبدو الأمر عندما تتعرض للإذلال. ونعرف أيضا كيف يبدو الأمر عندما يتصرف قلة من الناس على عكس رؤيتنا وتعاليمنا، ثم يتم تعريف تلك التصرفات باعتبارها ممثلة لكل تعاليمنا".
ولأن الأمر مؤثر، ويستحق الاهتمام، توالت في خاطري أسئلة بديهية عن هوية ومسار محمد علي، الذي ألهم رحيله أصدقاءه بالبوح الإنساني العميق، وجعل الناس يهرولون لتوديعه في موكب جنائزي رهيب. كان لزاما عليّ أن أعمق معرفتي برجل نقلت جنازته قنوات أمريكية طالما أعلنت عن مواقف لا تتوافق مع منهج محمد علي في الحياة.
للأسف وحدها الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام من حرضتني ودفعتني لتعميق معرفتي بإنسان يستحق كثيرا من التقدير والاحترام وعرض ملامح من شخصيته، مواقفه وأقواله البارزة، ومما شدني فيها جاوبه التاريخي الشهير: "لن أحاربهم فهم لم يلقبوني بالزنجي"، في إشارة إلى رفض محمد علي للمشاركة في الحرب على الفيتنام، في سنة ، 1966 حينما طلب منه الالتحاق بالجيش الأمريكي، وقد جر عليه هذا الأمر حينها الكثير من "الويلات" كان أبرزها خسارته للقب بطل العالم في ملاكمة المحترفين الخاصة بالوزن الثقيل، الذي سحب منه عقابا له على موقفه ومبدئه ضد الحرب. كان الفقيد يرى أن معركته ضد الظلم، والميز والاضطهاد الذي يعانيه الأمريكيون من أصول إفريقية داخل وطنهم، تنطلق من نصرة الفيتناميين المظلومين برشاشات بني جلدته من الأمريكان. كان ينتصر للإنسان أولا وأخيرا.
كم نحن في حاجة لما يجمعنا، ويرد الاعتبار لهويتنا الإنسانية أولا والمسلمة ثانيا بعدما تصاعدت أصوات العنصرية خصوصا في البلاد الغربية وغيرها. عندما يكون الإنسان صادقا في الدفاع عن قضية عادلة لا يصبح رمزا فقط لعرقه أو دينه... بل رمزا للإنسانية.
محمد علي شكل ذلك النموذج الإنساني الصامد، حينما يتشبث الفرد بمبدأ أوحلم نبيل، ويحول الظلم والشدائد إلى عزائم وقوة لتحقيق الحلم...للدفاع عن الحق... يجتمع حوله العالم لقول كلمة حق تنصفه ومن خلاله كل إنسان يشبهه. إنها عدالة التاريخ.. "
رحم الله محمد علي.
*إعلامي مغربي مقيم بإيطاليا