بعد مرور مئة عام على سايكس بيكو لم تعد خرائط «الجغرافيا السياسية» لدول الإقليم يقينا ، ولا يمكن وصف تجارب الحروب في الاقليم إلا أنها «سايكس بيكو »جديد، صدمة جديدة لشعوب الإقليم مع جغرافيا ولا يعرف أحد تفاصيلها ولا شكل خرائطها التي ترسم بالفوضى والخراب والدم.
تحل مئوية سايكس بيكو وسط عاصفة حروب ملتهبة تضرب دول المنطقة : في العراق وسوريا وليبيا القلقة واليمن التائه، كلها ملاعب لسباق كبير على هندسة جغرافيا « ما بعد سايكس بيكو، حتى داعش »مشروع اللامعقول والخراب الإنساني اصبح جزءا مرسوما من تكوين وتركيب المنطقة.
خرائط سايكس بيكو لم تعد الا محفوظات قديمة من ذاكرة المنطقة، الخرائط الجديدة تتعدد، ويبدو أن الحرب هي الأداة الوحيدة لتثبيت حيثياتها على الواقع، والدول اصبحت منهكة من الحروب والصراعات وليس من أحد بيديه أدوات الحسم والتسوية، فيبدو أنه ليس ثمة أمل لتوافق سياسي أقليمي ودولي يُقصِّر من العمر الزمني لحروب وصراعات المنطقة.
الحرب هي الحاضر الاقوى، وليس ثمة ضمانات تساند أي صورة ايجابية عن مستقبل محتمل دون خراب ودمار، وهكذا فإن اعلان تنظيم داعش الارهابي لإقامة دولة الخلافة يبدو مضحكا ومثيرا لسخرية سوداء، ولكن كلفة تلك السخرية باهظة وليست معقولة لما تخلفه يوميا من تدمير وخراب وعبث بالسِّلم الاجتماعي واستهلاك مقيت لأفكار يستدعيها التنظيم من ماض بائد.
«داعش » مررَّ خلال أقل من 3 أعوام أعتى صور الوحشية من قتل ودمار وتخريب، ومارس «بربرية» لا مثيل لها في التاريخ الانساني، علامات فارقة لـ«قيامة قريبة» أو «تخوم نهايات » لما يمكن تسميته العالم الذي اصبح قديما. مشاهد لصور لا متناهية من العدمية والعبث.
برهة من زمن الحرب القائمة في المنطقة تستلهم شحذ الهمم الوطنية للدفاع عن« سايكس بيكو» القديمة، وهذا ما يتماهى من خطاب المؤامرة على أساس أن ثمة «مؤامرة جديدة تهدد استقرارا وطنيا ألفه سكان هذه البقعة وامتد حكما لعقود طويلة.
سايكس بيكو يبدو حتما أنها انتهت، وفي الهندسة الجديدة للمنطقة على الأغلب فإن أطرافا في المنطقة استفادت من دوامة حروب تنهش بأجساد دول مهترئة وفاشلة وتعيد ترسيم خرائط المنطقة.
عربيا، لا تعرف دول المنطقة أين تقف مما يقوم من «خرائط جديدة »؟ من اليمن الى لبيبا والعراق وسوريا، الدول العربية يعاد تدويرها في حروب وصراعات المنطقة لصالح حسابات تحالفات محورية اقليمية ودولية، فهي تلتقط مصالحها في فلك تفاهمات القوى الدولية والاقليمية اللاعبة : امريكا وروسيا و إيران وتركيا. دوران في متاهات استقطاب دولي واقليمي، وكأنها حربٌ عالمية ثالثة.