تنطلق الدروس الحسنية برئاسة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، وهي الدروس التي تستحق الوقوف عند منجزها منذ انطلاقها قبل نصف قرن تحت رئاسة المغفور له الملك الحسن الثاني، ونوعية العلماء الذين استقطبت منهم من ما زال مواظبا على حضورها سنويا ومنهم من رحل عن دنيا الناس، لكن الدروس الحسنية بقيت خالدة وستبقى كذلك لأنها تحولت إلى مدرسة في التجديد الديني كاملة الأركان.
ليست الدروس الحسنية كباقي الدروس التي تلقى في رمضان، ولكنها مؤسسة أصبحت ذات بعد مرجعي في العالم الإسلامي، وأصبحت حاضرة في مراكز البحث الديني والأديان المقارنة وحاضرة في التقريب بين المذاهب الإسلامية ومكافحة الهيجان الطائفي بالإضافة إلى محاربة التطرف الديني.
أضحى لهذه المدرسة بناء وأركان وخصائص وأصبحت منطلقا نحو العالم وخصوصا إفريقيا السوداء، وتجذرت في تربة القارة من خلال إشعاعها وانفتاحها على الجميع، وعدم انخراطها في المشاريع الضيقة التي ترعى الفتنة في القارة والعالم.
الدروس الحسنية مدرسة متكاملة، بناؤها ينطلق من المغرب تحت راية إمارة المؤمنين وبعنوان الإسلام الذي يخدم الوسطية والاعتدال ويقدم للإنسانية قيم الرحمة والأخوة والتسامح ويقدم للبلدان المستضعفة منارات للتحرر من العبودية، وليس إسلام الهواجس والتكبر المذهبي والعقدي والاستعلاء الفقهي الذي يسطو على البشر من أجل أغراض سياسية.
من ركائز مدرسة الدروس الحسنية، أنها منبر للتفكير في قضايا الأمة الإسلامية، حيث تحولت إلى مكان لإنتاج المعرفة الدينية المرتبطة بالواقع الحالي وليس المعرفة الدينية الحبيسة رفوف التاريخ التي لا تخرج من دروبه إلا لتعيدنا إلى القرون الوسطى.
الدروس الحسنية مدرسة معاصرة للاجتهاد الديني، حيث تحاول تجاوز الكارثة التي أصابت العالم الإسلامي عندما تم إغلاق باب الاجتهاد. نعم تعرف هذه المدرسة أن المذاهب اكتملت في التاريخ لكن معين الدعوة الدينية المجددة لا ينضب، وأن الأسئلة المعاصرة لها أجوبة في الدين وليس المشكل في الدين ولكن في فقهاء الدين وأدعياء العلم الذين انبروا تحت مسميات عديدة للحديث عن مقاصد الدين والشرع.
الدروس الحسنية منبر للتعددية حيث لم تعمد لإقصاء أي مدرسة أو مذهب كان، واحتضنت علماء من كافة الأطياف الإسلامية، وكان مثيرا جدا أن يلقي الدرس الحسني أمام أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، آية الله محمد علي التسخيري، الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، بل إن الدروس الحسنية هي أول من فتح باب التعددية.
مدرسة الدروس الحسنية اعتبرت المذاهب الإسلامية إغناء للإسلام وإثراء له إذا تم التعامل معها بإيجابية ولم يتم استغلالها في سياق تدمير الشعوب والنيل منها ودفعها للاحتراب الداخلي تحت مسميات دينية والعودة بها للقرون الوسطى.
وتفاعلت الدروس الحسنية بشكل كبير مع قضايا الأمة الإسلامية وكانت السباقة لطرح مواضيع الوحدة الإسلامية بعيدا عن الحزازات التاريخية. ونجحت كثيرا في خلق أجواء للنقاش الهادئ البعيد عن تشنج الآخرين.