* لوموند: هل يمكن للدولة الإسلامية أن تتوسع أكثر خارج نفوذها؟
* جيل درونسورو: النفوذ الترابي الذي تستحوذ عليه ما يسمى بالدولة الإسلامية لم يتسع منذ سنتين من الآن، أي منذ تغيير اسمها من داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) إلى التسمية الجديدة. حقيقة أن عاصمتها المفترضة، مدينة الرقة توجد على مرمى حجر من الخطوط الكردية إذ لا تفصلها عنها إلا كيلومترات معدودة إلا أن المقاتلين الأكراد لا يمكنهم لوحدهم السيطرة عليها الشيء الذي يجعل هذه المدينة تبقى مهددة. في العراق أيضا القوات الأمريكية بمعية قوات الدول المتحالفة معها تشدد الخناق على الموصل التي كانت سقطت كليا في يد الدولة الإسلامية في يونيو 2014، معلنة سيطرة هذا التنظيم الإرهابي وهيمنة الخليفة المفترض أبو بكر البغدادي. على أرض الواقع هذا التنظيم وبإعلانه "دولة الخلافة" استطاع أن يغير الخريطة السياسية للمنطقة بمعنى أنه تمكن من مسح وإلغاء الحدود السورية العراقية من الوجود الجغرافي.. إذا كان القصد من السؤال هو التوسع اتجاه الخليج فيمكن الجزم أن هذا كان بإمكانه التحقق على أرض الواقع لو كان لـ"الدولة الإسلامية" سياسة وآفاق وتعاون مع الدول ذات المرجعية السنية في المنطقة أو التي تطغى فيها السنة كما هو الحال بالنسبة للعربية السعودية التي تكاد تكون مريضة بجنون العظمة أمام إيران وتركيا وباقي دول الخليج، كما أنه يمكن التحقق على أرض الواقع لو تمت هناك خطة بين "الدولة الإسلامية" والأكراد الذين لهم أيضا مصلحة في تحطيم الحدود مع الدول التي تم تأسيسها على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. إنها إيديولوجية هذا التنظيم التي تطرح الإشكال.
* لوموند: كيف وفي أي اتجاه؟
* جيل درونسورو: قادتها كلهم بعقلية جذرية ومرضى بالإفراط في الجذرية وإقصاء الغير، لأنهم يعيشون في عالم لا علاقة له بالواقع.. ولعل في قراءتهم لمستقبل الكون هم يؤمنون بالجزاء الأخروي أولا، كما أنهم يؤمنون بأخروية الأحداث، أي ارتباط هذه الأحداث بالآخرة، فالمصائب والكوارث تأذن بالانتصار النهائي، لذلك هم منهمكون في تحقيق هذا الانتصار عن طريق التقتيل والتفجير والترهيب استعدادا للفوز في آخر المرحلة فذلك في نظرهم انتصار من أجل الآخرة التي فيها الجزاء مقابل هذا النصر. ذلك "فكر" من نوع آخر. القادة في هذا التنظيم يستندون على نظام "محكم الإقفال"، مستلهم في جزء منه من التجربة العراقية في ما يخص حزب البعث، الأكثر من ذلك فإن أغلب القادة هم ممن عانوا من السجون الأمريكية التي تم "إعدادها" في العراق حيث السرية والانغلاق على الذات وعدم التعامل مع الغير، بمعنى أن الانفتاح لدى "الدولة الإسلامية" منعدم، وبالتالي الكل يشتغل وفق معايير حسابية خاصة يدخل فيها منطق الانتقام بدرجة أولى. هذه الفسيفساء لتركيبة التنظيم في قمته لا تسعفه في التوسع إلى أراضٍ أخرى لأنه حبيس أفكار حزب البعث وأفكار العراق وسوريا التي لا تخص إلا أراضي العراق وسوريا فقط، البلدان المتأثران بحزب البعث وبديكتاتوريته. وبضربها للعديد من الدول الغربية خلقت الدولة الإسلامية ائتلافا دوليا من القوات العسكرية التي تشن عليها الهجوم تلو الهجوم. يمكن القول إن التنظيم لم يكن له في بداياته، من أعداء خارج نفوذه.. لكنه جر الحرب ضده عندما بدأت المجموعات الإرهابية (داخل الجيش الحر) تصفي الأقليات الشيعية داخل سوريا والعراق، نفس الشيء بالنسبة لباقي الدول التي تواجهه اليوم بشعار محاربة الإرهاب من قبيل الأكراد وتركيا والعربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من دول الغرب الذين تم الهجوم عليهم من طرف جماعات تابعة للتنظيم.
* لوموند: هل يمكن لـ"الدولة الإسلامية" أن تستمر بفقدان بعض من ترابها؟
* جيل درونسورو: يبقى اختفاء هذا التنظيم من سوريا والعراق على درجة كبيرة من الاحتمال في العامين المقبلين لكنه احتمال مشروط بشيء واحد هو فقدان سيطرتها على الرقة أولا، ثم على الموصل ثانيا. لأن الهدف الأول الذي يبني عليه هذا التنظيم استراتيجيته هو كونه حركة فكرية مذهبية من أجل هوية سنية سورية عراقية، وبالتالي فإن مقاتليه العراقيين والسوريين السنيين لم يتم إعدادهم للذهاب إلى أوروبا بهدف وضع قنابل ومتفجرات هناك ضد مصالح غربية أو إسرائيلية بل تم شحنهم وإعدادهم للانتقام من الفكر الشيعي، بل من الشيعيين والعلويين في النظامين السوري والعراقي. ولو أن هذا التنظيم استمر يعيش على ضرب الدول الغربية عن طريق هجمات إرهابية فإنه لن يرقى في يوم من الأيام إلى أن يكون قوة عسكرية فبالأحرى أن يتمكن من التوسع..
* لوموند: كيف تتوقعون المستقبل السياسي للسنة العراقيين والسوريين في حالة اندثار الدولة الإسلامية؟
* جيل درونسورو: يمكن القول إن السنة العراقيين خارج اللعبة إن لم يكونوا "شاردين"، لأن تصفية حزب البعث العراقي بسقوط نظام صدام حسين كانت واحدة من الآليات الشرسة لتصفيتهم ومذهبهم لتغيب كفة الشيعيين الذين كانوا يستلهمون من الأفكار والمساعدات من الجارة إيران الشيء الكثير.. الحرب بينهم وبين الشيعة ستنتهي بالقضاء على كل السياسيين السنيين، لكن هذا لا يمنع من أن الشيعة سيعملون على إقحام العديد من السنيين "العملاء" في صفوفهم في العملية الانتخابية لتقوية حظوظهم، وذلك على غرار ما فعله حزب المؤتمر الهندي في الانتخابات التشريعية المؤدية إلى الرئاسة، حين استقطب العديد من المسلمين إلى صفوفه لضمان أصوات أكثر ومقاعد أكثر، بل ومناصب أكثر..
هناك أيضا إمكانية تحالف متين بين الأكراد والسنة في العراق.. فالقضاء على ما يسمى بالدولة الإسلامية سيعيد فتح مسألة المناطق المتنازع عليها بين السلطة المركزية للنظام العراقي في بغداد وبين السلطات الكردية العراقية. من هذه الوجهة، فلا شك أن الأكراد في حاجة ماسة إلى دعم أهل السنة العرب، حيث سيتم مجددا طرح حلّ عودة مليون ونصف المليون كردي إلى منطقتهم الأصلية، بعد أن ذاقوا ذرعا من النزوح.. ورغم هذا الطرح المتوقع الذي يفرض نفسه، فإنه لن يحل مشكلة مدينة "كركوك" البترولية بعدما شكل الأكراد هناك أغلبية تُجمع على أن هذه المدينة عاصمة لهم، بل "مِـلـْك" لهم، لا يمكن لأحد أن يشاركهم فيها..
* لوموند: هل تتجه العراق إلى نظام الفيدرالية بتقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق للقضاء على الإثنية والطائفية؟
*جيل درونسورو: هذا ما تريده، بكل تأكيد، العربية السعودية وبدرجة أكبر تركيا حيث يراهنان على ورقة المذهب السني لتوقيف تأثير طهران على بغداد، غير أن ضعف الترسانة العسكرية لما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" يجعل هذا المشروع ضعيفا لأنه لم يسبق أن كانت هناك سيطرة معينة للسنيين على منطقة كردية معينة أو على منطقة شيعية، كل ما في الأمر أن هناك لحد الآن "تنظيف" المناطق الواقعة تحت نفوذ داعش عن طريق "إبادة" في حق الشيعة الذين لم يكن أمامهم غير التصفية الجسدية أو الفرار... فليست هناك من قوة للسلطات العراقية في بغداد تلزمها بتقسيم البلاد، فمدينة تكريت ومدينة الرمادي مثلا ومعاقل أخرى لأهل السنة العراقيين التابعة لما يسمى بالدولة الإسلامية تسقط تباعا تحت ضغط الهجومات الجوية للقوات العسكرية لتحالف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، والهجومات البرية للجيش النظامي المؤازر بالعديد من القوات. فهي مناطق فارغة من الأهالي وعودة الأهالي إليها تتم بصفة محدودة جدا..
* لوموند: ماهي البصمة التي ستترك "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا؟
* جيل درونسورو: بالنسبة للعديد من السنيين العراقيين فإن نهاية عهد ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية" سيشكل لديهم رمزا لمحاولة إعادة بناء دولة "شرعية" تقوم على التاريخ أكثر من قيامها على الواقعية، وبالنسبة للسنيين السوريين، فإن نهاية هذا التنظيم سيخلق لهم نهاية كابوس فظيع، لكن إذا ما تمكن النظامان في سوريا والعراق من إنهاء الصراع القديم/ الجديد، المتواصل بين السنة والشيعة الذي لن تكون له نهاية بنظرن، إلا في الأحلام في الوقت الراهن..