مباشرة بعد وفاة زعيم جبهة "البوليساريو" محمد عبد العزيز اليوم الثلاثاء بأحد المستشفيات الايطالية، توالت أسماء القادة المرشحين لخلافته، وهكذا ستشهد جبهة البوليساريو لأول مرة في تاريخها مرحلة انتقالية لن تكون عادية، خاصة بعد أن قضى محمد عبد العزيز أزيد من ثلاثة عقود ونصف رئيسا للجبهة.
في سنة 1973، حينما أسس الولي السيد الجبهة بهدف مواجهة الاستعمار واسترجاع الصحراء للمغرب، كان محمد عبد العزيز واحدا من القادة الذين اجتمعوا في الزويرات بموريتانيا لإعلان تنظيم الجبهة.
كان الولي السيد ومحمد عبد العزيز ومحمد لامين البوهالي وإبراهيم غالي… وآخرون قد تعاهدوا على حمل السلاح لاسترجاع الصحراء، وبعد أن دخلت الجزائر على الخط في عز فترة حساسة تزامنت مع تراجع الاهتمام المغربي الشعبي والرسمي بتحركات الولي ورفاقه، وكان من نتائجها أن انزاحت الجبهة عن أهدافها، وتعمق الانحراف بعد أن رحل الولي السيد في الهجوم على موريتانيا سنة 1976 بموريتانيا، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت البوليساريو بيد الجزائر التي وضعت محمد عبد العزيز على رئسها إلى اليوم.
ومع كل المؤتمرات الشعبية العامة التي تنتخب الأمين العام للجبهة، وهو بالمناسبة رئيس البوليساريو حسب دستور الجبهة، ظلت الجزائر تعتبر ولاء المرشح لقيادة البوليساريو لجينرالات قصر المرادية شرطا مبدئيا، وحتى في عز انتفاضة 1988 التي عرفتها المخيمات وقادها زعماء مؤسسون للبوليساريو، رفضت الجزائر استبعاد محمد عبد العزيز من رئاسة البوليساريو.
ويتذكر الجميع أن عبد العزيز لم يكترث لصيحات الغاضبين في تلك الأحداث، ومنهم المؤسسون وقيادات في المكتب السياسي، وجلهم طالبوا باقتسام السلطة مع باقي المؤسسات مثل الحكومة والبرلمان وما يسمى بالوزارات والتنظيمات السياسية بالمخيمات، بل إنه بإيعاز من الجزائر رمى برفاق الأمس في السجون والإقامات الجبرية.
وهكذا نفهم أن الولاء للجزائر شرط أساسي في اختيار خليفة محمد عبد العزيز، ويعني ذلك ضمنيا استبعاد جيل الشباب الذين أفرزتهم التطورات اللاحقة لقضية الصحراء، ويعني من جهة ثانية وبصفة واضحة أن خليفة رئيس البوليساريو الراحل لن يكون إلا من الدائرة الضيقة من الذين خبروا أسرار التنظيم وخبايا القضية بأبعادها الدولية، ومن هؤلاء إبراهيم غالي الذي كان أول أمين عام للجبهة ووزير الدفاع في ما بعد ثم سفير الجبهة في الجزائر العاصمة، وواحدا من كوادر الجبهة المتخصص في الدعاية للأطروحة الانفصالية، ثم محمد لامين البوهالي الذي كان ومحمد عبد العزيز أول من أسس فرع الجبهة بتندوف، قبل أن يتدرج في أكثر من منصب مهم كوزير للدفاع، ثم عبد القادر الطالب عمر، الوزير الأول الحالي الذي درس في الداخلة اللغة العربية، قبل أن يختار بمحض إرادته الالتحاق بتنظيمات الجبهة في المخيمات، ثم امحمد خداد الذي وإن لم يكن من جيل المؤسسين إلا أنه أصبح مكلفا بالعلاقة مع المينورسو، وكان ضمن الوفد الذي فاوض الملك الراحل الحسن الثاني وولي عهده ووزير داخليته سنة 1996، وأخيرا البشير الصغير الذي يلقبونه بـ "كسنجر البوليساريو".
إذا لم تحدث مفاجأة، فإن الجزائر لن تختار خليفة محمد عبد العزيز إلا من هؤلاء الخمسة، علما أن جلهم يتحدرون من قبائل صحراوية مغربية، وهي تفصيلة أخرى تعتبرها مصادرنا بمهمة، حيث لا يختار سكان قصر المرادية خليفة الرئيس الحالي للبوليساريو إلا من الذين يتحدرون من قبائل وصحراء الجزائر، لكن هاته الأخيرة ستضطر في المستقبل إلى تجاوز هذا الشرط، مادام المرشح مصدر ثقة ومن رجالاتها.