ذ/ فاطمة بنعلي
في الآونة الأخيرة، يشهد إقليم أزيلال أحداث متتالية تمطر شباب الإقليم بقوالب جاهزة وذكية، أبطالها بعض رموز حزب العدالة والتنمية، يريدون منها أن تكون حملة إنتخابية سابقة لأوانها، حيث أعدوا العدة الكافية لاقتحام حصون الأطلس المنيعة والعصية على فطاحل السياسة، الذين يتحدثون من الأبراج العاجية، والذين لم تسعفهم الفصاحة والحيل التنكرية لإقناع المواطن الأزيلالي البسيط، الذي علمته دروب الحياة والعيش في الجبال وبين الفجاج، قيم الشجاعة والمروءة والإخلاص في الحب لثوابت الأمة، ونبذ كل أساليب الخداع والنفاق السياسي.
أمله البسيط أن يتقاسم هذه القيم مع أبناء جلدته في السهل والجبل، وفي المدن والحواضر من مغربنا الحبيب، بعيدا عن الحروب العشوائية التي يشنها الجيل الجديد من السياسيين الذين يؤمنون بفكرة الإنقضاض على أغلب المدن، ويحاولون الإيهام باكتساح الجبال والسهول في العالم القروي في موقعة الإنتخابات التشريعية المقبلة، معتمدين أو مسلحين بأساليب الإلتفاف على قواعد العملية الديمقراطية، التي مكنت حزب العدالة والتنمية بقيادة الحكومة، والإدعاء زورا وبهتانا أنهم متضايقين من عدم ممارسة الحكومة لكامل إختصاصاتها، ويسقطون فشلهم في تراجع أدائهم وشعبيتهم على شماعة ما يسمونه بقوى " التحكم "، هذا المفهوم الجديد الهلامي الذي جادت به منظومة الخطاب المزدوج في فكر منظري فن الممكن، لتبرير الإخفاق في استيعاب مبدأ التعددية السياسية ومتطلبات تحولات ما بعد إقرار الدستور الجديد.
من المُسلّمات في السياسة وفي كل الديمقراطيات العالمية، أن المواعيد الانتخابية تكون فرصة لتقييم مردودية وأداء الحكومات السابقة، سواء بتجديد الثقة أو بالتصويت العقابي لنزع المشروعية التمثيلية للمواطنين، كما أنها مناسبة لطرح البرامج الواعدة وممارسة النقد الذاتي وفق الحد الأدنى من العقلانية، وليست فرصة لبث النعرات والحزازات الانتخابية وشن الحروب المجانية القائمة على السجالات التي يتحكم فيها منطق الأهواء والعواطف وتغيب فيها الحقيقة والمصلحة العامة.
لكن المفارقة أن اللقاء التواصلي الذي نظمته الكتابة الإقليمية لحزب العدالة والتنمية بأزيلال بتاريخ 15 ماي 2016 بمدينة أزيلال، والذي حضره السيد لحسن الداودي وزير التعليم العالي، و البرلمانيين الحسين الحنصالي وغازي بريدية والقليل من الحضور، كان مناسبة لرموز حزب العدالة والتنمية، خاصة النائب البرلماني الحسين الحنصالي، لإطلاع شبيبة الحزب ومن خلالها شباب إقليم أزيلال، أن الحكومة الحالية قد برمجت لفائدة هذا الإقليم ما لم يبرمج طيلة 60 سنة الماضية..، هل يريد السيد النائب من خلال تصريحه هذا، أن يقنعنا أن إقليم ازيلال كان منذ فجر الإستقلال أرضا جرداء خالية تماما من التنمية؟، وأن كل الجهود التي بذلتها الحكومات السابقة في مجال التجهيزات والبنيات التحتية الأساسية كالطرق والكهرباء والماء الصالح للشرب والولوج الى مختلف الخدمات الإجتماعية كالصحة والتعليم رغم الإكراهات التي تطرحها خصوصيات هذا الإقليم الجبلي، كانت في نظر السيد النائب مجرد أحلام اليقظة وليست مشاريع وأوراش ثابتة في الأرض، فهل هذا التصريح مجرد رأي شخصي أم هو رأي يختزل الخط السياسي و إديولوجية الحزب وتكتيكات الفصل بين الظاهر والباطن ومواجهة الخصوم السياسيين بأدوات الخطاب المزدوج واستعمال آليات النقل والتكثيف والتحويل و تبخيس جهود الآخرين.
ومن أوجه الخطاب المزدوج في تصريح السيد النائب، أنه يروج في هذا اللقاء التواصلي "الحملة الإنتخابية السابقة لأوانها" و يبشر شباب أزيلال، أن أولويات الحكومة العناية بالمناطق الجبلية والقروية التي عانت من التهميش وأزيلال على رأس القائمة، من خلال استفادة 7 جماعات مستقبلا بإقليم أزيلال من البرنامج الإستعجالي لصندوق التنمية القروية بما يقارب 60 مليار سنتيم خلال سنة 2016، و الإستفادة من محاور طرقية وتخصيص 7 في المائة من مجموع مناصب الشغل لحملة الشواهد، ودعم الأشخاص في وضعية إعاقة، متناسيا أن حصيلة الإنجازات الحكومية هي ملك لجميع الشركاء و أبناء الشعب المغربي وليست حكرا على حزب سياسي بعينه، ومتنكرا لموقفه المسجل خلال الدورة الإستثنائية لمجلس جهة بني ملال خنيفرة التي انعقدت بمركز التكوينات والندوات بأزيلال بتاريخ 10 ماي 2016 ، حيث كان خصما لذوذا ضد المصلحة العامة لهذا الإقليم، ويقود فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس الجهة لعرقلة المخططات التنموية التي يراهن عليها الإقليم لمحاربة الفقر والهشاشة بالمناطق الجبلية والقروية، التي مازالت تعاني من الخصاص في مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية.
وختاما، أحيلكم على قصيدة خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخير أمام الرجل الأبيض للشاعر الكبير محمود درويش، وهي من القصائد المسافرة التي تذهب في التاريخ عكس اتجاه الزمان الى الماضي، وتذهب في الجغرافية عكس اتجاه المكان تستقرأ الأحداث، وتستمع الى صيغ الحضارات لتعود محملة بالتجارب الإنسانية العميقة نسقطها على حاضرنا:
نَعْرِفُ ماذا يُخَبَّي هذا الْغُموضُ الْبَليغُ لنا .. سَماءٌ تَدَلَّتْ على ملْحنا تُسْلْمُ الرُّوحَ .
صَفْصافَةٌ تَسيرُ على قَدَمٍ الرِّيحِ ... وَبَحْرٌ يُمَلِّحُ أَخْشابَ أَبْوابِنا .... لكنْ شيئاً كهذا عَرَفْناهُ قَبْلَ الزَّمانِ ... سَتَروي الرِّياحُ لنا
بِداَيَتَنا والنِّهايَةَ.. كُلَّ شيء يُحاصِرُكم .... فَلْتُمْهِلوا الأَرْضَ حتى تَقولَ الحَقيقَة كُلَّ الحَقيقة
عَنكم
وعنَّا
وعنَّا
وعنكم !
َ...سَنْسمَعُ أَصْواتَ أَسلافِنا في الرِّياحِ ، ونُصْغي إِلى نَبْضِهِمْ في بَراعِم أَشجارِنا
هذه الأَرْضُ جَدَتَّنُا
مُقَدَّسةٌ كُلُّها، حَجَراً حَجَراً، هذه الأَرْضُ ... سَكَنتْ مَعَنا نَجْمةٌ نَجمةٌ وأَضاءَت لَنا
لَيالي الصَّلاةِ