في الواقع ما كنتُ أودّ الخوض في هذا الموضوع أبدا؛ لكنني اضطررتُ إلى ذلك، والمضطر لا يلام كما يقال.. بعد انعقاد القمة المغربية الخليجية، والزيارات الموفَّقة التي يقوم بها جلالة الملك إلى بلدان شقيقة وصديقة، أصيبت بعضُ الأوساط السياسية الجزائرية المعادية لوطننا بالسعار، تطاولت ألسنتُها على المغرب ملكا وشعبا، تساعدها في ذلك قنوات فضائية بشكل مفضوح، وهو ما فتح الباب لحرب إعلامية شعواء لا هوادة فيها، وذلك بشكل يومي تماما، فيما قنواتُنا التلفزية الرسمية تكتفي ببرامجَ تطل علينا شهريا، وغالبا ما تكون دون المستوى، لأن من يسيِّرها هم فقط موظفون عاديون في الإعلام، وليسوا خبراءَ في الميدان، الذي آلت أحوالُه وأموره إلى غير أهلها في بلدنا.. هذه القنوات عمدت حتى لما يمكن اعتباره "نبشا" لقبور الأموات الذين هم في ذمة الله عزّ وجلّ، وصدق النبي الكريم: "اذكروا أمواتكم بالخير" لكنّ هذه القنوات، ما عرفت الخير يوما، ولا أُنشِئَت من أجله أصلا؛ هذا هو الواقع..
فبعدما رفض الملكُ "سلمان" استقبال المبعوث الجزائري في الرياض، غداة القمّة، على اعتبار أن الملك يجب أن يستقبل الرئيس لا موظفا هزيل القدْر والمنزلة، ثارت ثائرتُهم لذلك، خاصة عندما رأوا ملكَ المغرب يُستقبل بحفاوة وجميل ترحاب حيثما حلّ وارتحل، فيما هم بلا رئيس يمكنه ذلك؛ فحتى الله سبحانه وتعالى قارن عبر جملة استفهامية بليغة بين من يمشي سويا، وبين من يمشي مكبّا على وجهه، حتى صار مادةً للسّخرية في الإعلام الفرنسي نظرا للظاهرة الفريدة من نوعها في عالم السياسة، وهو ما انفردت به الجزائر دون غيرها، ومع ذلك تراهم ينتقدون ملكَ المغرب و"ينبشون" قبر جلالة الملك الحسن الثاني طيّب الله ثراه، الذي اختاره الله إلى جواره، وهو ما زال يمشي على قدمين ثابتتين، وذلك فضْل الله يوتيه من يشاء من عباده، ولقد عاش جلالتُه شريفا وتغمّده الله كريما؛ وكان جلالة الملك محمد السادس خير خلف لخير سلف، وتلكم من نعم الله على هذا الشعب النبيل.
لقد درج السياسيون الجزائريون على استعمال المغرب لتحويل الأنظار عما يحدث في الداخل المتردّي، ولكنّ هذه اللعبة تقادمت، ولم تعد تجدي نفعا؛ فمشاكل الجزائر لا تعدّ ولا تُحْصى، بل من بينها حتى دعوات للانفصال تساندها جمعيات ومنظمات خارجية، ناهيك من قضية الرئاسة، حيث الرئيس صار رهينةً عند العسكر، وهو ما يذكّر بما حدث للرئيس "الماريشال تيتو" الذي كان قد مات، فكان بعضهم يظهره على شاشة التلفزة وكأنه حيٌّ يرزَق، واستمرت اللعبة الحقيرة طيلة ستة أشهر، وكانت ذريعتُهم هو تفادي تفكّك الاتحاد اليوغوسلافي نتيجة الصراع على الرئاسة، وهو ما حصل في ما بعد إبّان إعلان وفاة، "تيتو" أخيرا؛ هذا نفسه يحصل اليوم في الجزائر المضطربة، والمتداعية داخليا، ولكن إلى متى؟ فكل الرؤساء والملوك ينسحبون من المشهد السياسي بسبب المرض أو التقدم في السن، وهو ما يحدث حتى في مجتمعَي النمل والنحل، فما بالك بالمجتمعات البشرية، وقد شاهدنا ما فعله "يلتسين" في روسيا، و"كاسترو" في كوبا، و"خوان كارلوس" في إسبانيا وآخرون كثر عبر العالم؛ إلا الجزائر فهي تريد التستر على المهزلة باستعمال المغرب، وافتعال مشكل صحرائنا، ولكن هيهات.. فحتى سيدُنا "يعقوب" توسّل واستعطف الله سبحانه وتعالى ليعفيه من مهامه نتيجة وضْعه الصحي، حيث خاطب الله عز وجل: "رَبّ إنّي وهن العظمُ مني واشتعل الرأس شيبًا"؛ و"بوتفليقة" يستجدي، فما رحموه، ولا احترموا إنسانيتَه..
وهكذا؛ لتحويل أنظار شعب لا تهمه هذه المشاكل إطلاقا، تراهم تارة يستخدمون عنوة صحراءنا المسترجعة، وتارة ينتقدون ملك المغرب، وتارة "ينبشون" قبر الملك المرحوم الحسن الثاني، وتارة يستديرون نحو دول الخليج، وتارة يسبّون فرنسا بسبب رسوم حول الرئيس الجزائري، فما رأيناهم يوما غضبوا لله ولرسوله نتيجة رسوم مسيئة للنبي الكريم، كما غضبوا لبوتفليقة؛ وهكذا تراهم في كل وادٍ يهيمون، وكل يوم يُسْهلون دون استحياء، وفي كل حلقة تتدلّى ألسنتهم فتقطر سُمّا ودمًا، ثم تسمعهم يكيلون تهما واهية للمغرب دون دليل ويتبجّحون بتاريخهم، ونسوا أن تاريخ المغرب كله أمجاد، ولم يحدث أن كان يوما بوابة للاستعمار نحو إفريقيا أو العالم الإسلامي، ولم يحدث أن زعيما تاريخيا مغربيا واحدا غازل يوما، أو راسل المحفل "الماسوني" الرهيب، وإن كنتم لا تصدّقون فانظروا كتاب: "المؤتمر الدولي الثاني لتاريخ بلاد الشام" المجلد: 02؛ صفحة: 439؛ جامعة دمشق؛ أو "موسوعة الماسونية"؛ صفحة: 651؛ وبها رسالةٌ بخط زعيمهم الخالد يستهلّها بـ: "أعضاء الفَرنَماسونية حفظهُمُ الله.."؛ ذاك هو تاريخهم الذي يريدون إخفاءه.