حمو المعاشي
بعد استقراء الحالات التي ركزت عليها الخارجية الأمريكية في تقريرها حول حقوق الإنسان بالمغرب يتبين أن معدي التقرير كانوا خارج أي منطق وبعيدا عن "المعيارية" التي هي أس إعداد التقارير خصوصا إذا كان تقريرا دوليا، وإذا أردنا أن نقلب الآية وتتحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى موضوع للدراسة فكل يوم نسمع عن قتل مواطن في الشارع العام من قبل الأمن ناهيك عن انتهاكات كثيرة لا حصر لها هنا وهناك، ورغم ذلك ينبغي في القراءة المعيارية معرفة خلفيات كل حدث.
الخارجية الأمريكية ضربت عرض الحائط بباقي التقارير الدولية بما فيها تقارير أممية حول وضع حقوق الإنسان بالمغرب، والتي تطورت بشكل مشهود، وكل التقارير عندما تتحدث عن بعض الحالات تقول إنها حالات فردية وليست سياسة ممنهجة، لكن الخارجية الأمريكية اعتمدت بعض الحالات، وغيرت مضمونها واختلقت "أكاذيب" بل اعتمدت الأكاذيب التي روجها المغرضون من بيننا حينها، وحولتها إلى قاعدة عامة، وهذا مخالف للمنطق.
لقد ارتكبت الخارجية الأمريكية في تقريرها أخطاء من حيث المنهج ومن حيث المضمون. فمن حيث المنهج اعتمدت أكاذيب يروجها مجموعة أشخاص معروفون بالابتزاز، وهو كلام مقاهي كما يقال، كما أنها لم تستمع لوجهة نظر الدولة، ومن حيث المضمون جاء التقرير مليئا بكل الادعاءات التي ردت عليها السلطات في حينها.
من هذا المنطلق نفهم أن التقرير هو إما تقرير كتبه مجموعة "جهلة" بالواقع المغربي أو تقرير مغرض. ولا يمكن لتقرير أمريكي أن يكون عابثا طبعا ويصدر "لله في سبيل الله" لهذا الفرضية الأولى مستبعدة وبالتالي هو تقرير يهدف إلى الضغط على المغرب، الذي توجه شرقا وشرع في تطوير علاقاته الإستراتيجية وتنويعها.
ففي الحالة الأولى التي اعتمدها التقرير والمتعلقة بوفاء شرف، حيث يزعم تقرير الخارجية الأمريكية أنها أدينت بسنتين حبسا من اجل مزاعم كاذبة بالتعرض للتعذيب، والتبليغ عن جرائم كانت على علم بعدم وجودها، غير أن التحقيق القضائي الذي تم اجراؤه، وعمليات التصنت القانونية التي أشرفت عليها النيابة العامة في هذا الإطار، مكنت من التأكيد بشكل قاطع أن المعنية اختلقت بالكامل سيناريو حول اختطافها المفترض وحرضت أفراد أسرتها على الإدلاء بتصريحات كاذبة لتعزيز أطروحتها، وهو السبب الذي كان وراء إدانتها طبقا لمقتضيات القانون المغربي الجاري به العمل بتهمة التبليغ الكاذب وتقديم حجج مزيفة تتعلق بجريمة وهمية وإهانة الشرطة القضائية وموظف أثناء أداء مهامه.
أما الحالة الثانية ، فتتعلق بأسامة حسن ، حيث زعم تقرير الخارجية الأمريكية أن أسامة حسن أدين بثلاث سنوات حبسا من أجل مزاعم كاذبة بالتعرض للتعذيب والتبليغ عن جرائم كان على علم بعدم وجودها، غير أن التحقيق القضائي كشف بشكل قاطع الطابع ألافترائي والكاذب لادعاءات المعني بالأمر ، بما أن صديقه كذب أقواله وصرح بأنه كان برفقته في نفس التوقيت الذي زعم انه تعرض فيه للاختطاف. كما تؤكد تسجيلات مصورة (فيديو) متاحة هذه الوقائع.
أما الحالة الثالثة فتتعلق بحميد المهداوي، حيث جاء في تقرير الخارجية الأمريكية أنه "يوم 29 يونيو، أدانت محكمة بالدار البيضاء حميد المهداوي، رئيس تحرير الموقع الالكتروني الإخباري "بديل"، بعقوبة أربعة أشهر حبسا مع وقف التنفيذ، بتهمة القذف في حق المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي"، إلا أن التقرير لم يتحر بتاتا عن صحة الوقائع التي نقلها، مبرهنا بذلك عن الإهمال بل وربما سوء نية محرريه، ذلك أن الحموشي لم يكن ، في الفترة التي تعود لها هذه المزاعم ضده ، مكلفا بالإشراف على المديرية العامة للأمن الوطني .
وبالفعل، كانت المديرية العامة للأمن الوطني، التي كان بوشعيب الرميل يشغل منصب مديرها العام آنذاك ، قد أودعت شكاية يوم 5 يونيو 2014 ضد المهداوي من أجل "الاهانة من خلال التصريح بجريمة كان على علم بعدم وجودها " و"إهانة هيئة منظمة" و"التبليغ الكاذب".
هذه الحالات الثلاث كافية للتأكيد على أن تقرير الخارجية الأمريكية فارغ المضمون والمحتوى، ولم يأت إلا بغرض وظيفي سيء للغاية خدمة لأجندة مدروسة مسبقا تجاه المغرب، تتواصل فصولها منذ زمن طويل.
فلا يعقل أن يتم إنجاز تقرير مليء بالمغالطات ناهيك عن الأخطاء التي لا يمكن أن ترد في تقرير علمي ومبني على وقائع حقيقية معتمدا منهجية واضحة. وهو ما لا يتوفر في التقرير الأمريكي الذي يخفي وراءه نوايا أخرى مرتبطة بقلب الطاولة التي قام بها جلالة الملك ضد الغرب وخصوصا أمريكا وبدأ في نسج علاقات مع الشرق بشكل قوي وفعال خصوصا مع الاتحاد الروسي والصين الشعبية.