يُجمِع المؤرخون والفلاسفة، قدماء ومحدثون، على أن العالم يوجد فيه كل شيء وبوفرة في غالب الأحيان، إلا شيء واحد اعتبروه [denrée trop rare] وهو العدالة، وعندما توجد فإنها تكون عدالة السادة الظلَمة؛ وأنا أتحدث هنا عن العدالة بين الأمم والشعوب، ولا أقصد العدالة الخاصة بالحق العام داخل المجتمعات.. لقد نودي بكثير من الهُراء، حوْل العدالة والديموقراطية، واحترام سيادة الدول، ووحدتها الترابية، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك، والسائد دوما أبدا، كان وما زال هو [اللامعقول] على حد تعبير الكاتب الكبير "ألبير كامي".. كثيرة هي الشعوب التي ظُلمت واضطُهدت عبر التاريخ، وأخرى جُزِّئت، فأُعطيت أجزاء منها للّصوص، أو في أجزاء منها أُنشِئَت كيانات لم يكن أبدا لها وجود يُذكَر، فهُجّر السكان الأصليون، أو أُبيدوا، أو ذابوا في مجتمعات مفبْركة النشأة، وهناك دول كانت شاسعة، فقُزِّمت، وتشظَّت، أو حُوّلت إلى كيانات مصطنعة، يعادي بعضُها بعضا، فيما هي من أسرة واحدة، أو من وطن هو في الأصل واحد له حضارة، وأمجاد، وتاريخ، وعراقة، فيما دول أخرى احتُرمت أراضيها، ورُوعيَت سيادتُها، وحوفظ على وحدتها الترابية لاعتبارات شتّى يبتدعها أصحابُ العدالة السائدة، ولنا في التاريخ أمثلة ماثلة تحت أنوفنا، وقلّما ننتبه إليها رغم أنها سرقات مفضوحة..
لو قام "هتلر" من قبره، وعاد إلى الحياة ثانية، فوجد "ألمانيا" مقسَّمة إلى غربية وشرقية، و"تشيكوسلوفاكيا" موحَّدة، لجمعَ غربَ ألمانيا بشرقها ولقسَّم "تشيكوسلوفاكيا" إلى "تشيكيا" و"سلوفاكيا"، وهو ما فعلوه بدون "هتلر"، لأن "التشيك والسلوفاك" ليسوا مثل "الجرمان"؛ فالنّازية انهارت، ولكن مبادئها ما زالت سائدة.. لقد قام "هتلر" بفصل إقليم "السُّوديت" عن "تشيكوسلوفاكيا" بدعوى أن سكانه وهم قلة قليلة من حيثُ العدد ليسوا تشيكوسلوفاكيين، وهو ما يحاولون صنْعَه في صحرائنا المسترجعة، بالادّعاء أنها ليست مغربية، وأن الصحراويين ليسوا مغاربة ضدا على ما يثبته التاريخ، وتؤكّده الجغرافيا، وتدْعمه الأنتروبولوجيا بالدليل القاطع.. هو نفسه ما حصل في السودان، حيث قلة قليلة أنشؤوا لها دولةً في الجنوب، وغابت أكذوبةُ احترام الوحدة الترابية لدول المعمور، إلا أن هذا المبدأ يُحترم في أوربا، بالإضافة إلى احترام رأي أغلبية الشعب لا أقليته، ولك أمثلة في ذلك في أوربا الغربية على وجه الخصوص، لكن في أماكن أخرى، فحتى القبيلة لها الحق في الانفصال، لتصبح دولة قزمية، لكن جزر "ماريان" لا يمكنها ذلك لأنها تخص أمريكا؛ إنه فعلا "اللامعقول" فيما شعوب أخرى شُرّدت ولم يُلْتفتْ إليها، رغم تاريخها، وعراقتها، ولغتها، وسُرقت جزر وأجزاء من دول معروفة.. فجُزُر "مارشال" مثلا، أو "هاواي" أو "ماريان" أو، هي أراضٍ أمريكية وإنْ بعُدت عن أمريكا، لكنّ الصحراء المغربية فيها نظر وإن كانت جزءًا من المغرب.. وهذا إقليم "تايمور" مثلا في "أندونيسيا" ينال استقلاله، فأصبح نسْيا منْسيا، وتُرك يصارع قدره بمفرده.. ثم في فلسطين، هي أرضٌ لها سكانها، يعدّون بالملايين، لكن حكمتْها الأقليةُ الصهيونية، ولم تُحْترم الديموقراطية التي تستند إلى مبدإ الأغلبية، ولم ينفع أيّ قانون، ولم تتحركْ أية محكمة دولية، بل حُكِّم "اللامعقول" واحتُرمت العدالةُ السَّبوعية السائدة، وهذا المؤرخ الكبير "توينبي" يعتبر أن قيام إسرائيل هي أبشع جريمة تُرتَكب عبر التاريخ.. هذه الدولة التي غُرست في الجسد العربي هو نفسه ما يريدون غرسه في جسد الدولة المغربية العريقة، حيث يريدون منْح أرضٍ مغربية للصوص بزعامة "المرّاكشي" على حساب شعب بأسره، وهنا أيضا يساندون الأقلية الانفصالية على حساب الأغلبية، عكس ما يعملون به في أماكنَ أخرى حفاظا على الوحدة الترابية للأجناس المتفوقة كما تقول النازية مدمّرة الشعوب..
ثم ماذا؟ هناك إقليم "الأهْواز" في إيران الآرية والشيعية وسكّانُه يعدّون بالملايين ولغتهم العربية، ومذهبهم سُني، ويطالبون بالاستقلال لأسباب موضوعية، فما سمعهم أحد، ولا ساندتهم جهةٌ ما؛ لماذا؟ لأن إيران ليس لها جيران أحقاد على وحدتها الترابية وليس لها خونةٌ في الداخل، كما هو حال المغرب للأسف الشديد.. فدعوات الانفصال تحتاج دائما إلى لصوص وإلى خونة في الداخل وإلى منظمات سرية في الخارج، وإلى دول عميلة تمكُر في كواليس الميدان السياسي، وفي المحافل الدولية، وإلى سفسْطائيين يحمّلون الألفاظَ ما لا تحتمله، وإلى بهلوانيين قانونيين، يلتفّون على القوانين، ويركّزون على لغة خادعة تحْجب الواقع، وتزوّر الحقائق، لتبرير السرقات التي يجعلون منها حقوقا يطالب بها السُّراق رغم كونها مِلكية لأصحابها ومعترفًا بها بشرائع السماء وقوانين الأرض؛ فكل من يساند لصوص "البوليساريو" فهو لص بكل معنى الكلمة، وسوف ينكشف أمرُه لا محالة؛ إلى ذلكم الحين، على المغرب أن يحرص على ممتلكاته، ووحدته من هؤلاء اللصوص ومسانديهم.