قال الذئب العدواني الماكر، والمفترس بطبعه للخروف الهادئ والمسالم: "أنت ظالم؛ لقد عكّرتَ عليّ الماء".. قال الخروف بلهجة البريء المندهش: "كيف أعكّر عليك الماء؛ والماء من عندك نحوي جاري؟" قال الذئب: "إذا لم تكن أنت ظالما، كان أبوك أو جدك جائرا"، وهي كلّها تهمٌ باطلة، كان المراد بها تجريمَ الخروف لافتراسه لا غير؛ وتلكم طبيعة المكرة والدّمويين منذ القدم، حيث يغضّون الطرف عن ظلمهم، ويتّهمون غيرهم به.. هذا المثل ينطبق تماما على الولايات المتحدة، التي أرسلت إلينا تقريرا جائرا وكاذبا حول السجون وحقوق الإنسان ببلادنا، وبه تهمٌ مفضوحة لا يقبلها إنسان يتّسم بالعدل، والملاحظة النزيهة لما يقوم به بلدُنا في هذا المجال، بشهادة الغير.. لكنّ هذا التقرير له أهداف أخرى، ومن ورائه أيادٍ قذرة، ويكفي أن تتمعّن مثلا الشعارَ الشهير المطبوع على ظهر عملة "الدولار" الأمريكي، فئة دولار واحد، وهو الأكثر تداولا عبر العالم، ثم تذكّرْ ما أسماه المؤرخون: [حكومة العالم الخفية]، لتدرك الحقيقة الدفينة وراء كل ما يحدث؛ وتعرف من يتحكم في سياسة أمريكا: اُنظر كتاب: "المسيحية الصهيونية" لمجدي كامل؛ صفحة 28 وصفحة 104..
من الغريب أن يكون أصحاب سجن "أبو غريب" وسجن "ألكاطراز" الرهيب، هم الذين يتهموننا بسوء معاملة السجناء، وعدم احترام حقوق الإنسان داخل السجون.. من المضحك أن يكون من تقتل شرطتُهم السود الأبرياء في الشارع، هم من يعطينا دروسا في مجال حقوق الإنسان.. من المقرف حقا، أن يكون من كتبوا "أوديسا" القتل، وصاغوا "إلْيادة" الإبادة، هم من سيلقّننا كيف نتعامل برفق مع نزلاء السجون في بلادنا.. ثم ماذا؟ أيام "هيلاري كلينتون"، بعثت إلينا وزارة خارجية أمريكا تقريرا تتهم فيه المغرب، بكونه بلد الدعارة، ونسيت أن الدعارة في بلادنا غيرُ معترفٍ بها كمهنة كما يقنّنها دون حياء القانون عندهم؛ وغضوا الطرف عن الشذوذ الجنسي، والزواج المثْلي الذي أصبح مباحا حتى داخل الجيش الأمريكي؛ واعجباه من هؤلاء!
نأتي الآن إلى حقوق الإنسان، لنستحضر عدالتهم، وممارستهم في هذا الميدان، وسنستعرض القليل من كثير ما زال عالقا في الأذهان، وما عاناه المواطن الأمريكي، وما عاناه الغير في بعض البلدان، من نير "العمّ سام" الإمام، في مجال العدالة، والديموقراطية، وحقوق الإنسان.. في سنة 1913 تظاهر الناس في مريكان، مطالبين بحقوقهم، فطحنتهم دبابات الجنيرال "ماك آرثر"، وهو بطلهم القومي في الفلبّين، خلال الحرب العالمية الثانية.. وفي غشت 1927 تمّ إعدامُ شابّين مهاجرين "ساكُّو وڤانزيتي" رغم براءتهما، ورغم احتجاجات العالم بأسره، وهو ما يشبه إعدام الشاب الهولندي "فان ديرلوب" من طرف النازيين، سنة 1933، بتهمة حرق البرلمان. في أمريكا حقوق الإنسان وحرية التعبير، تم اغتيال "مارتن لوتركينغ" سنة 1968 وكان يكرهه "إيدغارهوفر" مدير "الإيف بي ــ آي" ثم اغْتيل "مالكوم إيكس" وهما زعيمان بارزان من زعماء الحرية وحقوق الإنسان في أمريكا، وقد عانا الاضطهاد قبل اغتيالهما.. وفي "كانت" أطلق الحرس الوطني النار على الطلبة المناهضين لحرب "ڤيتنام"، وكان المشهد رهيبا ودمويا في بلد الحرية، والديموقراطية، وحقوق الإنسان.
هذا في الداخل؛ أما في الخارج، فحدّثْ ولا حرج؛ نذكر من بين ذلك، شنّ الحرب على "ڤيتنام" بأكذوبة ضرب المدمّرة "مادوكس" من طرف الڤتناميين؛ ثم جاءت ليلة 18 ماي 1968، في الهزيع الأخير من الليل، حيث أطلقت قاذفاتُ اللّهب نيرانَها المحترقة على السكان وهم نائمون، في قرية "مايلي"؛ فأُبيد الجميع إنسانٌ وحيوان؛ ومنذ أيام فقط قُصفت قريةٌ في "أفغانستان" وقُتل 40 شخصا؛ فقال الجنيرال إن تلك ليست جريمة، وإنما خطأ وحسْب.. واليوم ينادون بالديموقراطية، وحقوق الإنسان، وقد أجهضوهما في "الشيلي" خدمةً للديكتاتور "بينوشي"؛ وأجهضوهما في "إيران"، ضدا على رئيس الحكومة الديموقراطي "مُصَدَّق" سنة 1953، أيام "الشاه".. ولن أحدثك عما فعلوه لإسقاط رئيس منتخب ديموقراطيًا في "الكونغو"، وهو "باتريس لومومبا" الذي أُعدم سنة 1960؛ والآن، يكفي أن نذكر كيف يساندون "إسرائيل". وكيف لا يذكرون ما تفعله بالسجناء الفلسطينيين في سجونها؛ وكيف لا يبعثون لها بتقارير إدانة، كما فعلوا ظلما وافتراءً مع بلدنا.. لكن يكفي أن تعرف كيف قامت أمريكا في الأصل.. يقول المغني الفرنسي "إيدي ميتشل" وهو يغني: "ليس هناك ما أخفيه؛ لقد رأيتُ جنودا في بزّاتهم الزرقاء، يقتلون هنودا، في أمريكا الحرية، والديموقراطية، وحقوق الإنسان".. ومع ذلك تسمع: "ليبارك الرّب أمريكا".