عندما كتبنا مقالنا 'خمسة أسباب وراء وصف بان كي مون بأن الصحراء محتلة'، والذي ذكرنا فيه قرار الغرب نقل الفوضى إلى المغرب والسعي إلى تقسيمه، لامنا بعض القراء الكرام مدعين أن خيالنا ذهب بعيدا وأنه لا توجد مؤامرة على المغرب، وأن الغرب راض عنا. غير أن الخطاب الملكي في الرياض وما تلاه من تطورات على مستوى مجلس الأمن، أكد أن ما قلناه صحيحا. هؤلاء القراء يفضلون انتظار الضربة على الرأس حتى يشرعوا في تفكيك خيوط لعبة الكبار، في الوقت الذي يجب تفكيكها قبليا تجنبا لضربات قد تصيب الرأس.
في هذا المقال سنقدم مجوعة من الاعتبارات نعتقد بأن على الدولة المغربية النظر فيها قصد معالجة المرحلة المقبلة من تطورات ملف الصحراء المغربية.
التوقيت توقيتنا وليس توقيت أمريكا
إن أهم شيء على الدبلوماسية المغربية أخذه بعين الاعتبار هو التوقيت، لأنه عندما تفرغ أمريكا من ملف سوريا والعراق، ستحتاج ملفا جديدا تبرهن به على عظمتها في تقرير مصير العالم وذكائها في كيفية إحياء العظام وهي رميم.
وبالتالي فان أي تأجيل للمواجهة هدفه انتظار التفرغ من الملفات الكبرى، خاصة أن الملفين العراقي والسوري لن يكونا مفتوحين بشكل راهني في السنوات الخمس القادمة. ولهذا السبب تترك تصريحاتهم كل الخيارات مفتوحة؛ يطيبون الخواطر دون أن يترتب عن ذلك التزامات قانونية أو تغيير على أرض الواقع.
قرار طرد المينورسو كان حكيما لأنه أسقط الأقنعة وأزال عن المغرب التخدير الذي حصل له بموجب التطمينات الأمريكية بأن حل الحكم الذاتي جدي وواقعي وذو مصداقية، تماما كما وقع للسوريين عندما كرر أوباما على مسامعهم أن بشار سيرحل، حتى إذا ضاعت البلاد وحل الخراب صرح كيري بأنه لا يمكن لأمريكا أن تحارب روسيا لخاطر عيون السوريين.
المواجهة الآن خارج توقيتهم، وكما تلاحظون فليس هناك تصريح واحد لأوباما أو لكيري حول الخلاف المغربي الأممي. انتظروا يوم تصير اسم الصحراء على لسان الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته لتعرفوا الحقيقة. وعليه على المغرب أن يلعب اللعبة حسب توقيته وبوجود حلفائه، خاصة أن الوقت الحالي يعرف انقساما غربيا إزاء الملف السوري بين أمريكا وروسيا وفرنسا. لنرى ما ذا سيفعلون لأن ما سيفعلونه الآن سيكون أقل مما سيفعلون عندما يقرر المغرب مقاومة التقسيم حين يحل اليوم الموعود.
طرد المينورسو قرار حكيم والمحلل المغربي خلق هلوعا إذا مسه قليل من الشر أطل جزوعا
لقد هالني مقدار تهافت المحللين المغاربة على طأطأة الرأس أمام الأمم المتحدة علما أن تقرير مجلس الأمن لا يعبر إلا عن 'تأسفه على عدم قدرة بعثة المينورسو القيام بتفويضها بشكل كامل'، وعن 'الحاجة العاجلة لرجوعها إلى وظيفتها الكاملة'. ومع ذلك ذعروا إلى الحد الذي جعلهم لا يفكرون إلا في التجاوب الفوري. لا غرو إذن أن المغرب لم يقدر على الفصل في قضية الصحراء مند أربعين سنة، بينما تنهي روسيا الأمر في بضعة أيام. قرار الأمم المتحدة غير إلزامي وللمغرب مجال واسع للتفاوض والمناورة.
ولنتذكر ما وقع لصدام الذي استمر في قبول ما يفرض عليه من قرارات تضعفه حتى إذا وافق على تدمير صواريخه، حتى قريبة المدى منها، وتفتيش قصوره وصار بدون قدرة على المقاومة، جاء اليوم الموعود. والقذافى الذي تخلى عن أسلحة الدمار الشامل حتى قبل أن يطلب منه، ولم يشتر حتى صواريخ قريبة المدى ليهدد بها أوروبا عند الهجوم عليه لم يستثنوه. الحقيقة التي يتجاهلها الحكام العرب أن الغرب لا يهاجم إلا الضعفاء، ولهذا لم ولن يهاجموا كوريا الشمالية.
السيادة في الصحراء لنا لا للدولة الكبرى
المسودة الأمريكية الأولى تفترض أن لا سيادة للمغرب على صحرائه، لأن إدخال المينورسو إلى المغرب كان قرارا سياديا فان طردهم هو قرار سيادي، وإن أي إلزام للمغرب بإرجاع المينورسو انتقاص من سيادته، مما يفتح الباب ليعطى لهذه البعثة ما يمكن إعطاؤها من صلاحيات، بما في ذلك مراقبة حقوق الإنسان والتي تعني المرحلة ما قبل الأخيرة للانفصال، مثلما وقع للسودان، أو اتخاذ تدابير تنزيل إجراءات الاستفتاء، خاصة وأن القرار الأخير لا يعير أهمية للحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب. لهذا لا يمكن إعادة الوضع إلى ما كان عليه دون تبديل بعد أن بدت العداوة من مسوداتهم، وما تخفي مخططاتهم أعظم.
الأمم المتحدة لن تفرض العقوبات على المغرب لسبعة أسباب
أولا، غياب أي مسوغ لفرض العقوبات. عدم التهديد في القرار الأممي الأخير بالعقوبات عند عدم رجوع المينورسو يعني أن طرد البعثة لا يستوجب عقوبات. وتصويت أمريكا لصالح القرار دون الإشارة إلى العقوبات يستلزم غياب مسوغ يربط العقوبات برفض القرار، كما أن القرار القادم يتطلب مسوغا لتبرير العقوبات. هذا المسوغ قد تم التفريط فيه عند التصويت على القرار الأخير. وبالتالي، فان أي محاولة لإيجاد مسوغ سيسقط أمريكا والدول الكبرى في التناقض. أضف إلى ذلك غياب سابقة تربط طرد بعثات الأمم المتحدة بالعقوبات قد تنبني عليها هذه العقوبات.
ثانيا، العقوبات ضد المغرب سيقرب المغرب من إنهاء مشكل الصحراء لصالحه، لأنه آنذاك بإمكانه طرد الشق العسكري، مما يعني نهاية تدويل الملف، وإرجاعه إلى الوضع الإقليمي، لأن تواجد المينورسو هو الذي يجعل مناقشة الملف بشكل سنوي قصد تجديد تواجد البعثة. أوباما صرح مؤخرا، في مقابلة تلفزيونية، أنهم أحيانا يحتاجون إلى لي أذرع بعض الدول لتفعل ما يريدون، وطرد الشق العسكري يزيل إمكانية لي ذراع المغرب، وهذا ما لا تريده أمريكا.
ثالثا، العقوبات على المغرب ستضر بالمصالح الفرنسية في المغرب، خاصة مع تواجد وتزايد المشاريع الفرنسية الضخمة، كرونو مثلا، كما أن فرنسا تعتبر المغرب امتدادا لها، وأي ضرر للمغرب هو بالضرورة ضرر لفرنسا. الفيتو الفرنسي سيكون حاضرا.
رابعا، العقوبات لا يمكن أن تتحقق إلا ذا تم إقحام الاتحاد الأوروبي فيها، لأن مجمل العلاقات الاقتصادية المغربية هي مع الاتحاد الأوروبي، لكن الاتحاد لديه مشكلة أمنية كبيرة مع الإرهاب واللاجئين، وأي إضعاف للمغرب سيخلق أزمة كبيرة للاتحاد الأوروبي في هذين الملفين وقد يتحول المغرب إلى تركيا أخرى.
خامسا، خسارة المغرب خسارة لأمريكا. فالتبادل التجاري مع أمريكا في صالحها، ثم إن الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا لا تسمح بخروج المغرب من تحت المظلة الأمريكية. أوباما صرح بأن أي تفريط في كتابة أمريكا لقواعد التجارة بالعالم سيجعل الصين تربح، مما يعني تحكم ما هو سياسي في ما هو اقتصادي. العقوبات الأمريكية ستجعل المغرب خارج تحالفاتهم التي تتشكل في الوقت الحالي في مجموعة من جهات العالم.
سادسا، غياب الحافز الكافي للتضحية بحليف استراتجي للولايات المتحدة له تأثير إقليمي واسع و له مكانة مهمة في الحفاظ على النفوذ الأمريكي في إفريقيا والعالم العربي. أمريكا تعرف أنه حتى إذا وقعت عقوبات فإنها لن تدوم طويلا لغياب السابقة التي تربط بين الطرد والعقوبات ولغياب تأثير طرد البعثة على السلام العالمي والأمن القومي لأمريكا.
سابعا، العقوبات تقوي النظام المغربي، لأن المغاربة سيخرجون إلى الشارع رافعين صور الملك المناهض للمؤامرة الأمريكية، وهذا تعزيز لقوة النظام الذي لن يجد صعوبة تذكر في تبرير التراجع الاقتصادي باعتباره مفروضا من طرف الغرب الامبريالي، ولا أظن أن هذا ما تسعى له أمريكا في الوقت الحالي.
وحتى إذا فرضت العقوبات ولم يصبر المغاربة واحدا في المائة مما صبره الإيرانيون، فما على المغرب إلا أن يعيد المينورسو. على الأقل آنذاك ستتغير الرؤية التي لا نملكها الآن، وسيكون لكل حدث حديث و"يادار ما دخلك شر". أما أن نستسلم منذ الآن، فأظن أن ذلك يعني نقصا حقيقيا في الذكاء التفاوضي.
تناقض قرارات الأمم المتحدة مع مهمة المنورسو
القرار الأممي الأخير تكلم عن حل سياسي مقبول من الطرفين. ما لم ينتبه له المغاربة هو أن المجلس يتناقض مع نفسه عندما لا يحدد مهمة المينورسو إلا في الاستفتاء، وهو مطلب البوليساريو وليس مطلب المغرب، مما يجعل كلمة "توافقي" غير ذات معنى. ومادام الاستفتاء ليس مطلبا مغربيا، فان مهمة المينورسو، والتي لا تعني إلا الاستفتاء، لا تعبر عن هذا الحل التوافقي. ولكي يتحقق الحل التوافقي، يجب تغيير مهمة المينورسو؛ بحيث تصير مهمتها تسهيل الوصول إلى حل سياسي عن طريق مجموعة من الإجراءات من بينها تمكين ساكنة تندوف من حق العودة الجماعية مثلا، وحماية حقهم في التعبير عن آرائهم في الانضمام أو الحكم الذاتي كي لا يقع لهم ما وقع لمصطفى سلمى.
وبالتالي، فمن حق المغرب مطالبة مجلس الأمن تعديل مهمة المينورسو بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن، والتي تعني تكليف المينورسو بمهمات أخرى غير الاستفتاء، مادام أن الاستفتاء ليس مطلبا مغربيا ريثما يتم التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين، كما ينص على ذلك القرار الأخير. الطرف المغربي يمكن أن ينظر إلى ما يلي في تفاوضه مع الأمم المتحدة:
-عدم إرجاع المينورسو نهائيا، وهذا هو الحل الأمثل لأن إرجاعها سيبقي خيار توسيع صلاحياتها ممكنا بشكل دائم كما أن عدم إرجاعها سيدخل اليأس إلى ساكنة تندوف، مما سيجعل للبوليساريو خيارا وحيدا ألا وهو الحكم الذاتي.
- رفض إرجاع الينورسو مقابل فتح مفاوضات جدية مع البوليساريو لتقرير مصير متوافق عليه.
-إعادة فريق من المينورسو، لكن ينضم إلى الفريق العسكري وليس كفريق مدني حفظا لماء وجه الأمم المتحدة.
- تأجيل عودة المينورسو ريثما تبرد الأوضاع في الصحراء نتيجة المظاهرات الرافضة لعودتهم، وهذا قد يجعل سلامة المينورسو الجسدية غير مضمونة. ستندلع مظاهرات قبل نهاية مهلة ثلاثة أشهر.
-القبول بإرجاع المينورسو ولكن تحت قرار أممي جديد يحدد مهمتها في الإشراف على توفير طرق تحقيق خيارات أخرى غير الاستفتاء ريثما يتم التوصل إلى حل توافقي بعد المفاوضات؛ أي تصحيح مهمة المينورسو بما ينسجم مع قرارات مجلس الأمن.
نتمنى من الدولة المغربية أن تنظر إلى هاته الاعتبارات بشكل جدي لأنها تتماشى مع ما يتطلبه هذا الموضوع من حسم واستباقية.
د. يوسف شرباطي