تعكس الشراكة مع الصين معطى أن المغرب أصبح اليوم رقما في الساحة الدولية. كيف تقرأ هذا التحول القوي في ديبلوماسية المغرب بقيادة الملك محمد السادس؟
الأكيد أن انفتاح المغرب اليوم على شركاء متنوعين، لا يعني القطيعة مع الشركاء التقليديين، وأعتبر هذا التحول نوعا من التوازن والتجاوب مع ما يعرفه العالم من تحولات لم تكن متوقعة بالأمس القريب، وهي التحولات التي تفرض الانفتاح على قوى أخرى من خارج الحلفاء التقليديين.
وأرى أن ما يحصل في الشرق الأوسط من عدم استقرار، وتفكك غير متحكم فيه، يتطلب توازنات أخرى، الصين تعتبر رقما أساسيا في كل المعادلات والحلول الممكنة، ما يتطلب بناء علاقات متقدمة معها.
ثانيا، الصين تشكل قوة اقتصادية، وحين تقرر الدخول في شراكة إستراتيجية مع المغرب، فهي ترتكز على رؤية براغماتية، تقوم على قناعة بأن المغرب يشكل اليوم البوابة نحو إفريقيا، من خلال العلاقات المتينة التي تربطه بعدد من المحاور الأساسية في القارة، كما اكتسب خبرة في ولوج الأسواق الواعدة في قطاعات الخدمات مثل البنوك والتأمينات والاتصالات، بالإضافة إلى قربه من أوربا، والذي سيساعد الشركات الصينية على الاستثمار في المغرب، من أجل التصدير إلى أوربا.
ظل رقم المعاملات بين البلدين في حدود 3 ملايير دولار. هل يمكن للشراكة الإستراتيجية أن تساعد المغرب على استقطاب الشركات الصينية
ترى الصين أن البنية التحتية واللوجيستية التي يتوفر عليها المغرب، ويسعى إلى تطويرها بمشاريع مهيكلة جديدة، تمثل تحفيزات للشركات الصينية الكبرى التي تراقب عن قرب المكتسبات المحققة في المغرب، خاصة في قطاعات صناعات السيارات، وصناعة الطيران، والتكنولوجيا الدقيقة. كما تطمح إلى الاستفادة من الإستراتيجيات الكبرى في قطاع الفوسفاط، باعتبار أن الأمن الغذائي يعتبر جزءا من الاختيارات الكبرى للصين الشعبية. وأتوقع شخصيا أن يطرح قريبا تقارب بين إحدى الشركات الصينية المختصة في الأسمدة ومجموعة المكتب الشريف للفوسفاط. كما تبدي الصين اهتماما متزايدا بالمشاريع الكبرى في المغرب، من قبيل مشروع ميناء الناظور الذي سيخصص لتخزين البترول، ومشروع محطة للكهرباء بجرادة. لذلك، أعتبر أن المعطى الإستراتيجي القائم على فلسفة "رابح- رابح" حاضر في العلاقات بين المغرب والصين.
ماذا عن التعاون في المجالين السياسي والعسكري بين البلدين، في ظل التحديات التي تواجه المغرب في مصالحه الإستراتيجية مثل قضية الصحراء؟
الصين تربطها علاقات تاريخية مع المغرب منذ 1958، ولم تعرف العلاقات بين البلدين فتورا في يوم من الأيام، رغم الاختلاف الإيديولوجي بين النظامين، وظلت العلاقات بين الرباط وبكين جيدة، وتقوم على الاحترام وتفهم مطالب المغرب في الوحدة الترابية وشرعية دفاعه عن وحدته الترابية في مواجهة الانفصال، لأن الصين عانت هي الأخرى، بسبب محاولات تفكيك وضرب وحدتها، بالإضافة إلى أن الصين دولة عضو في مجلس الأمن وتتمتع بحق الفيتو. أما في الجانب العسكري، فقد انطلق التعاون بين البلدين، منذ 7 سنوات، وهناك اليوم انفتاح من مؤسسة الجيش المغربية على العقيدة العسكرية الصينية للاستفادة من تجربتها، وتوجد أطر مغربية في الصين للمشاركة في تداريب هناك، كما شرعت بعض المعاهد العسكرية المغربية في تعلم اللغة الصينية والانفتاح على الثقافة العسكرية للصين.
عن "الصباح"
* عبد الكريم بنعتيق رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية بباريس