وفي حكاية الجواز الأخضر لي حساسية لا أستطيع التخلي عنها، مفادها أنني أهوى تلك الوثيقة الإدارية التي قد لا تعني للآخرين شيئا لكنها تعني لي كل شيء.
في مطارات الدنيا أشهرها دلالة الانتماء لهاته الأرض، ولم أتصور يوما أنني سأتوفر على بديل لها، فهي تغنيني عما عداها وهي تعني لي المغرب والسلام. لذلك وعندما أسمع أن مسؤولا مغربيا رفيع المستوى أو دنيئه يتوفر على وثيقة تعادلها لكنها تحمل لونا آخر أصاب بالاستغراب وأقول لنفس « وغدا أو بعد غد إذا ما كان هذا المسؤول مجبرا على الفصل في قضية بين بلده الأول الذي يحمل جوازه الأخضر وبين بلده الثاني الذي يحمل جوازه الأحمر أو الأزرق كيف سيكون موقفه؟”
لم أجد يوما جوابا ولم أفهم كيف يمكن أن تكون مسؤولا عالي المستوي رفيع القدر تقام لك الدنيا ولا تقعد في البلد تمتلك حنفيات الإشهار وصنابير الدعم ولديك هواتف كبار الناس في البلد لكنك مع ذلك تعاني من نقص فظيع: لا هوية لك أو لنقل لديك هويتان تتنازعانك ولاتدري لمن أنت في النهاية تنتسب.
الحكاية ليست حكاية أشعار وأناشيد، وانتشاء بالوطن لأجل الانتشاء.
الحكاية أكبر من شخص واحد ينفيها الآن. القضية قضية انتماء فعلا، وقضية موقعنا بعد مرور كل هاته السنوات على استقلالنا من الهوية ومما تعنيه هاته الهوية. قديما وللتدليل على قيمة “الباسبور” لدى المغربي العادي لم يكن يوضع مع الأوراق العادية التي يخرجها الإنسان معه إلى الشارع. لا، كانت تخصص له اتكاءة إخفاء في الدولاب، ولا يستل من هناك إلا حين الضرورة، حين السفر، حين الحج في غالبية الأحايين أو حين زيارة أقارب من المغتربين أو حين المرض والاضطرار للسفر إلى الخارج للعلاج.
وحتى عندما حلت التأشيرة، ومست جوازنا الأخضر وجعلته مثلما كان يقول المغاربة “حدو طنجة” لم يفقد قيمته. بقي هناك في مكان يعرف المغربي أنه لن يسافر به إلى أي مكان، لكن يحرص على تجديده كلما انتهت مدة صلاحيته تحسبا لشيء بعيد في الغالب لن يقع أبدا، لكنها السليقة الشعبية العادية، والحدس البديهي الأول.
هذا المغربي العادي هو الذي يحس بالألم أكثر حين يسمع أخبار المسؤولين رفيعي المستوى من حملة الجوازات المختلفة. يقول لنفسه إن الدنيا قست عليه ولم تمنحه كثير الامتيازات مثلما منحتهم، وهم في الغالب لا يحتاجون طلب التأشيرة ولا الوقوف في الصف انتظارا لها، لكنهم لا يكتفون
هم في الغالب أيضا بالنسبة للمغربي العادي من يجب أن يفخروا بالانتساب للبلد الذي أعطاهم كل هاته الحظوة، والذي منحهم كل هذا الجاه. لكن العكس هو الحاصل، وفقراؤنا الذين لايسافرون ولا يملكون حق تذكرة تصل الرباط بالبيضاء هم الذين يتمسكون أكثر برموز هويتهم فيما غالبية من النافذين تجد أمنها وأمانها في الإطلالة بين فينة وأخرى على العبة الخشبية الفاخرة، والتأكد أن الجواز الأحمر أو الأزرق موضوع فيها رفقة جوازات الزوجة الأولى فالثانية فالثالثة والأولاد ثم بقية الخليلات
لا نعمم، وأعرف عددا كبيرا من مسؤولي هذا البلد المرموقين يرفضون هاته الحكاية ويجدون فيها احتقارا غير مقبول لأنفسهم ولبلادهم، لكننا نتحدث عن القلة القليلة التي تضع رجلا معنا هنا وأرجلا عديدة مع الآخرين هناك، والتي – حين الضيق أو حين الاختلاف – تشهر في وجوهنا أول ماتشهره علامة تميزها عنا وانتمائها للعالم الآخر، وتقززها من أي شبهة انتساب لعالمنا نحن العادي، البسيط، المغربي الذي يبدو لنا كل شيء.
ربما كانت حادثة مطار بكين فرصة طيبة لمراجعة عديد الأمور في هاته الحكاية بالتحديد.
ربما والله أعلم على كل حال بالانتماءات، المعلن منها والمبطن المختفي بين الأوراق..
ملحوظة لاعلاقة..
جميل أن تسارع الهيآت الكروية في البلد إلى معاقبة مسؤولين في فريقين للهواة بعد التلاعب بنتيجة مباراة وأن توقف المسؤولين مدى الحياة واللاعبين لمدة عام.
لكن الأجمل فعلا أن نرى نفس الحزم مع تصريحات رئيس أكبر ناد في المغرب الذي اتهم الجامعة بالتلاعب بالنتائج دون أن نرى متابعة للأمر.
كيل بأكثر من مكيال؟ أليس كذلك؟
بقلم: المختار لغزيوي.