تناولت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، تناولت بشكلٍ مُطوّلٍ التدّخل العسكريّ الروسي في سوريّة، وتداعياته على مُستقبل هذه الدولة العربيّة. وبرأي الدراسة، فإنّ التدّخل الروسيّ، والذي بدأ في شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، أوقف تقدّم ما أسمته بالثوار، الذين كانوا في ذلك الحين قد وصلوا إلى مشارف العاصمة السوريّة، دمشق، على حدّ تعبيرها.
وتابعت قائلةً إنّ التدّخل العسكريّ الروسيّ في بلاد الشام، بالإضافة إلى المُساعدة الإيرانيّة، حولّت روسيا الاتحاديّة إلى اللاعب الأساسيّ والأكثر فعاليةً في الحلبة السوريّة، كما أنّ هذا التدّخل فتح أمام الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتن الباب على مصراعيه لفرض تهدئة ووقف إطلاق النار، على الرغم من أنّه منذ إعلان التهدئة سُجلّت عدّة خروقات. بالإضافة إلى ذلك، شدّدّت الدراسة، على أنّ التدّخل الروسي سمح للرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد، بتقوية سيطرته على ما أسمتها بسوريّة الصغيرة، والتي بقيت تحت سيطرته، وهي التي تبدأ من دمشق في إلى الشمال، نحو مدينة حلب وإلى الشاطئ العلويّ، وهو أهّم مكان للنظام الحاكم في دمشق، وحتى الجنوب إلى المدينة الواقعة جنوبًا، درعا.
مع ذلك، لفتت الدراسة، إلى أنّ سلسلة النجاحات التي حققتها روسيا في سوريّة لم تؤدّ إلى حسم المعركة والقضاء على ما أسمتهم بالمتمردين، وإعادة السيطرة للرئيس السوريّ الأسد على المناطق الغربيّة في البلاد ومن هناك إلى الجنوب، بكلماتٍ أخرى، قالت الدراسة، إنّ التدّخل العسكريّ الروسيّ لم يتمكّن من دحر تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق وبلاد الشام وحسم المعركة نهائيًا.
وبخصوص “داعش”، أّدت الدراسة، على أنّه تجدر الإشارة إلى أنّه ما يزال من غير الواضح إلى أيّ حدٍّ سترغب روسيا أنْ تكون متدّخلةً بمواصلة الحرب ضدّها إلى جانب اللاعبين الآخرين الذين يخوضون الصراع معها، بمن فيهم الأكراد، الذين يتطلعون إلى إقامة كيانهم الخاص في ظلّ معارضة تركيا والسعودية التي تعمل على كبح التوسّع الإيرانيّ.
وتابعت: واضح أنّ هؤلاء اللاعبين الساعين إلى دفع مصالحهم لهم أيضًا اهتمام بطرد “داعش”، في الوقت الحالي روسيا تواصل العمل في بعض من المناطق (في تدمر مثلًا)، بل وتلمح إلى أنها ربما في المستقبل تساعد في هجمات قوات الأسد في المناطق الشرقية الأعمق مثل الرقة التي تسيطر عليها “داعش”. علاوة على ذلك، رأت الدراسة أنّ صنّاع القرار في موسكو توصّلوا إلى نتيجةٍ بأنّ الوضع في سوريّة لا يحمل معه الأمل، وأنّ الرئيس الأسد ليس قادرًا من الناحية العسكريّة على إعادة سوريّة المُقسّمة، وبالتالي باشر الروس بالتفكير في إقامة سوريّة الصغيرة، أوْ كما أسمتها الدراسة (علويستان)، وهي المناطق التي يُسيطر عليها اليوم الرئيس الأسد، على حدّ تعبيرها.
وأردفت الدراسة قائلةً إنّ “سوريّة الصغيرة”، تحت سيطرة الرئيس الأسد، تكون بالنسبة لموسكو القاعدة الأساسيّة لها في سوريّة، على أمل أنّه في قادم الأيّام تتمكّن من إعادة توحيد سوريّة كاملةً. ولكن مع ذلك، لفتت الدراسة إلى أنّ هذا السيناريو هو سيناريو متفائل جدًا بالنسبة للرئيس الأسد ولحلفائه، وأنّ الطريق لتحقيقه ما زالت بعيدة جدًا، كما قالت الدراسة الإسرائيليّة.
وأقرّت الدراسة أنّ الرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد، والذي قام العديد من زعماء العالم، بمن فيهم في إسرائيل، بالقول إنّ أيّام معدودة، تبينّ الآن أنّه باقٍ، ويُعتبر المنتصر الرئيسيّ في المعركة الدائرة، إذْ أنّه تمكّن من البقاء في كرسيّ الحكم على الرغم من أنّ جميع المحللين وصنّاع القرار توصّلوا إلى نتيجةٍ بأنّه لن يستطيع مُواصلة السيطرة على مقاليد الحكم، ولفتت أيضًا أنّ التدّخل العسكريّ الروسيّ منح الرئيس الأسد قوّةً كبيرةً، الأمر الذي أدّى لانتعاشه ولإعادة فرد أجنحته، بحسب وصف الدراسة الإسرائيليّة.
ولفتت الدراسة إلى أنّه حتى الآن درست إسرائيل الامتناع عن اختيار جانب ما وعن التدخل المباشر في الأزمة السورية، روسيا، والتي تصنف إسرائيل كلاعب إقليمي مهم، تفضل رؤيتها متمسكة بسياستها الانعزالية بخصوص المواجهة في سوريّة، من المفترض أنّ روسيا تفضل ذلك في المستقبل أيضًا، حيث من المحتمل أنْ يطلب منها مواصلة تدخلها في الأزمة الإقليمية.
من جهة إسرائيل، ختمت الدراسة، فإلى جانب المصلحة العامة في إضعاف المحور الشيعي الذي تتزعمه إيران، فالمصالح الحيوية لإسرائيل في سوريّة ستظل في استبعاد تهديد عمل المحور الشيعي والمجموعات الجهادية أيضًا في المناطق القريبة من حدودها، ومنع تسرب وسائل قتالية خارقة للتوازن لأيدي حزب الله.
وحرية العمل الإسرائيليّة في هذه المجالات يجب أنْ تظل من جهتها الشرط لمواصلة التعاون مع روسيا في المنطقة، نعم ليس لدى إسرائيل سبب لتعارض الخطوات الروسيّة التي هدفها تقسيم سوريّة إلى إطار فدرالي أوْ خلافه، بحسب تعبيرها.
زهير أندراوس