إنه نصر عظيم للأمة… فخر لكل المسلمين… انتصار كبير للإسلام… منذ بضعة أيام، تم الإعلام عن انتخاب المسلم الباكستاني صادق خان عمدةً للندن، إحدى أهم العواصم الأوروبية.
جميل… رائع… هائل…
لكن ونحن نحتفي، ونحن نهلل على الفايسبوك وتويتر… ونحن نفتخر بهذا الإنجاز العظيم، لنتساءل فقط: هل يمكن أن ننتخب في مؤسساتنا يهوديا أو مسيحيا أو بوذيا أو ملحدا؟ هل يمكن أن نحتفي يوما ما بكون السعودية عينت وزيرا سيخيا أو حتى مسلما شيعيا احتفاء بالتعددية؟ هل يمكن أن نتصور في المغرب رئيس جهة مغربي يهودي؟ هل يمكن لمصر أن تنتخب رئيس برلمان قبطي؟ (علما أن المصري القبطي تماما كالمغربي اليهودي ليسا أبناء هجرة).
الآن، بعد أن أخذنا هذا الحمام البارد الذي يفضح تناقضنا ونرجسيتنا، لنتأمل كيف أننا بكل بساطة، نفرح لشخص نعتبره منا (مسلم أو عربي)، بينما هو في الحقيقة منهم (بريطاني مثلا في هذه الحالة)، فاز بمنصب مهم. لكننا نرفض أن يحقق نفسَ الفوز شخص منا، مغربي في المغرب أو مصري في مصر، لمجرد أنه ولد مسيحيا أو يهوديا بينما ولدنا مسلمين… والوطن يجمعنا. لنتأمل كيف أننا نفرح ونهلل لكل أوروبي أو أمريكي أسلم، لكننا نصدم وقد نجز الرقاب لكل مسلم اختار أن يغير دينه، بينما المنطقي أن الدين يجب أن يكون عن اختيار ووعي وليس فقط بالولادة. لنتأمل كيف أننا نبني المساجد في لندن وباريس وجنيف، بل أننا نحتج ونصرخ حين تقرر الهيئات السياسية السويسرية (ديمقراطيا) منع بناء صوامع بعلو كبير، مع أن الصومعة ليست من أركان الصلاة؛ لكننا نرفض قطعيا بناء كنائس جديدة في بلداننا. المغرب اليوم يعرف تزايد عدد المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، والكثير منهم مسيحيون، هل سنبني لهم كنائس جديدة لأن تلك الموجودة حاليا قد لا تكون كافية عدديا؟ أليس من حقهم علينا أن نبني لهم أماكن للتعبد، كما نطالب بأماكن للتعبد خاصة بالمسلمين في بلدان ليست ذات أغلبية مسلمة؟
ثم، فنلذهب أبعد من ذلك: ماذا لو بقي صادق خان في الباكستان وبقي أحمد بوطالب ونجاة بلقاسم في المغرب؟ هل كانوا سيحققون ما حققوه اليوم؟ ليس بالضرورة… لنتذكر فقط أن صادق خان تم انتخابه في لندن ليس لأنه مسلم ولا لأنه من أصول باكستانية. صادق خان أصبح عمدة للندن لأنه بريطاني. الديموقراطية البريطانية هي التي مكنته من أن يكون اليوم عمدة لندن. العلمانية البريطانية هي التي مكنته أن يعيش فيها بسلام وأن ينجح مهنيا وسياسيا. وهذا بالذات ما ينقصنا. المغاربة والمصريون والصوماليون والباكستان (وهو البلد الأصل لصادق خان، بطلنا اليوم) الذين يشتغلون في دول الخليج منذ سنوات طويلة. هل سيكون لهم أو لأبنائهم الحق في الحصول على الجنسية والمشاركة في الانتخابات (هذا حين تكون هناك انتخابات)؟ السينغاليون والغانيون والنيجيريون الذين يعيشون اليوم بالمغرب، هل سيكون بإمكانهم وإمكان أبنائهم أن يحلموا يوما بأن يكونوا فاعلين سياسيين في هذا البلد الأمين؟
كلما تابعت على المواقع الاجتماعية احتفاءاتنا بالوزيرات المغربيات في فرنسا، والعمدة المغربي الناجح في هولندا، والعمدة المسلم الباكستاني في لندن، أتذكر فقط أن العلمانية الأوروبية هي التي أوصلت هؤلاء المسلمين إلى مناصبهم… وأن الديمقراطية الهولندية والفرنسية والبريطانية هي التي مكنتهم أن يكونوا عناصر فاعلة سياسيا في مجتمعاتهم. لقد نجحوا هناك، ليسوا لأنهم مغاربة أو باكستان أو مسلمين، بل لأنهم ينتمون لمجتمعات وفرت لهم فرص الدراسة والنجاح والحياة الكريمة. لو بقي كل هؤلاء في بلدانهم الأصل، فلنكن صادقين، لما كانوا اليوم قد حققوا ما هم يحققونه اليوم، عن جدارة واستحقاق من ناحية، وبانتمائهم لمجتمعات تحترم الفرد واختلافه وتوفر له إمكانيات التألق من ناحية أخرى.
سناء العاجي