تشهد زيارة ملك محمد السادس إلى الصين على دينامية تحركات المغرب الذي يعرف كيف يتأقلم، ويحرص على أن يطلق مجموعة من المبادرات في آن واحد، في إطار دبلوماسية مستقلة و وطنية تقوم على الكرامة والجرأة.
وتهدف هذه الزيارة:
أولا: على المستوى السياسي إلى إرساء شراكة استراتيجية تترجم بلورة نوعية وغير مسبوقة للعلاقات الثنائية بين البلدين، وتتفاعل مع تنويع وتعميق المغرب لعلاقات دبلوماسية وسياسية مع فاعلين دوليين من أعلى مستوى، وتكرس شروط عدم انحياز جديد يدعم الموقع الجيو استراتيجي والدبلوماسي للمغرب كدولة ذات سيادة ومتحررة من كل تبعية كيف ما كان نوعها، كما تدعم أيضا وضعية المغرب كحليف فعال ومحترم على الساحة الدولية.
وتعكس هذا الشراكة من جهة أخرى استشراف المغرب للمستقبل باختيارات نوعية علما أن القارة الأسيوية تعتبر اليوم بمثابة محرك للتطورات الحالية والمستقبلية في جميع المجالات، كما تفتح ( هذه الشراكة) الباب على مصراعه لدعم تعاون عسكري مستقبلي بين البلدين.
للإشارة فإن الصين تعتبر شريكا فعالا ومحترما للخصوصيات، و دولة عظمى لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي هذا السياق وجب التذكير، بأن بكين اعتمدت موقفا إيجابيا اتجاه المغرب خلال التصويت على قرار 29 أبريل الماضي بالأمم المتحدة، كما لم تتردد الصين في إبعاد ما يسمى "البوليساريو" عن أشغال القمة الثانية إفريقيا – الصين في دجنبر 2015 في جنوب إفريقيا.
ثانيا : على المستوى الدبلوماسي يستغل المغرب جاذبيته من أجل تقوية تحالفاته بما يخدم مصالحه العليا في عالم متعدد الأقطاب، علما أن المغرب هو اليوم:
1: واحد من أحسن المدافعين عن قضايا الشعوب وحقهم في التنمية خاصة الشعوب الإفريقية، وهو ما يجعل المغرب في واجهة النضال من أجل عالم متوازن من أجل أن تجد الدول في طريق النمو موطئ قدم في النظام العالمي.
وفي هذا السياق فإن المغرب ـ أصبح بفضل سياسة الملك محمد السادس ـ من بين ركائز التعاون جنوب ـ جنوب وترأس سنة 2003 مجموعة 77 (+) الصين.
2: من الدول الرائدة في مجال البيئة، وسيحتضن السنة المقبلة مؤتمر "كوب 22"، والصين من الفاعلين الأساسيين في المفاوضات حول المناخ.
ثالثا: على المستوى الاقتصادي تنظر الصين إلى المملكة كبوابة لولوج السوق الإفريقية، وكأقرب بلد جنوبي لأوروبا. ويشكل عزم الفاعل الصيني في مجال الاتصالات (يواي) فتح مقر جديد له بالدار البيضاء خاص بمنطقة إفريقيا الفرونكفونية نموذجا لهذا التوجه.
وهكذا، يتموقع المغرب كفاعل لا محيد عنه في التعاون الثلاثي الأطراف بين الصين وشركائها الأفارقة. فالاستقرار الذي تنعم به المملكة والنموذج التنموي المتفرد الذي أطلقه المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس والذي يعتمد على النهوض بالأوراش الكبرى كمحطة الطاقة الشمسية (نور)، والمركب المينائي طنجة المتوسط، وميناء الناضور غرب المتوسط والميناء الكبير للداخلة على المحيط الأطلسي، وكذا القطار فائق السرعة والخط السككي بين طنجة ولكويرة من أجل ربط المغرب مع باقي البلدان الإفريقية، كلها مؤهلات تعزز موقع المغرب كأرضية لتنمية هذا النموذج من التعاون.
وتعتبر الصين أيضا سوقا كبيرة يجب اكتشافها من أجل تصدير المنتوجات المغربية. ويشكل الفوسفاط، والحوامض، والطماطم، والأسماك منتوجات ذات قيمة مضافة عالية ستمكن المغرب من التموقع في السوق الصينية.
كما يمكن للمغرب الاستفادة من النموذج الصيني في مجالات التكنولوجيا والصناعة والبنيات التحتية والبحث العلمي.
وبالإضافة إلى وزنها الاقتصادي على المستوى العالمي، تستمد الصين مكانتها من قوتها العسكرية وقوة مؤسساتها وقناعاتها السياسية. فهي عضو دائم بمجلس الأمن ومفاوض شرس على الساحة الدولية، يمكن للمغرب الاعتماد عليه لمواجهة تحديات التنمية ودعمه في الدفاع عن مصالحه الوطنية الاستراتيجية.