صوت مجلس الأمن الدولي على القرار 2285، يوم الجمعة 29 أبريل 2016 بشأن النزاع حول الصحراء، يقضي بتمديد بعثة "المينورسو" بالصحراء لمدة 12 شهرا أخرى، تنتهي في 30 أبريل 2017، واستعادة الدور الموكل إلى البعثة ودعمه، وصيانة معايير حفظ السلام، والتزام المجلس مجددا بمساعدة الطرفين المغربي وجبهة البوليساريو، في التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من قبلهما.
ووافق على القرار عشر من الدول الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن. وصوتت فنزويلا وأوروغواي ضده بينما امتنعت روسيا وأنغولا ونيوزيلندا. وأيدت الصين وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا القرار مع أوكرانيا واليابان ومصر وماليزيا والسنغال.
وفي هذا الإطار، ارتأينا إبداء بعض الملاحظات لإغناء النقاش الدائر حاليا حول القرار المذكور، وذلك فيما يلي:
أولا: جاء التصويت على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية، الخميس 28 أبريل، وكانت المسودة الأولى التي اقترحتها أمريكا تتضمن إلزام المغرب بفسح المجال لعودة المكون المدني لبعثة المينورسو لمزاولة عمله، وذلك في غضون شهرين، مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير عن مدى التزام المغرب بتنفيذ هذا البند من القرار الأممي بعد مرور ستين يوما عن صدوره، وذلك تحت طائلة اتخاذ مجلس الأمن الإجراءات الضرورية في حالة عدم امتثال المغرب لهذا القرار. لكن تم تعديل هذه العبارة الأخيرة بعبارة "إعراب المجلس عن عزمه في حال عدم أداء البعثة لكامل وظائفها أن ينظر في السبل المثلى لتحقيق هذا الهدف"، وأيضا برفع الأجل إلى 90 يوما بعدما اعترضت فرنسا والسنغال على اقتراح أمريكا.
ويلاحظ في هذا الصدد أن الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الصديقة للمغرب والحليف الاستراتيجي له، لا يمكن التعويل عليها لمساندة المغرب مستقبلا في ربح رهان قضية وحدته الترابية، لأن مبدأ المصلحة، ودور بعض اللوبيات وقوى الضغط الأمريكية المقربة من صنع القرار، كلها تتحكم في العلاقات الخارجية للولايات المتحدة مع أطراف النزاع، خصوصا وأن واشنطن تسعى إلى إرضاء الجزائر، نظرا لعلاقاتها الاقتصادية بهذه الدولة ومصالح بعض الشركات الأمريكية في هذا البلد وبالضبط تلك التي تستثمر في مجال النفط والغاز.
ثانيا: القرار يعد انتصارا للدبلوماسية المغربية التي يقودها فعليا الملك محمد السادس خصوصا بعد جولاته الأخيرة ولقاءاته مع عدد من الدول الأوربية وروسيا، ودول الخليج، خلال مرحلة دقيقة و حرجة ما قبل صدور قرار مجلس الأمن، حيث كانت الجزائر والبوليساريو تتحركان بشكل مكثف دوليا للضغط في اتجاه صدور قرار يخدم أجندتهما، معولتين على الموقف الذي سبق أن عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في زيارة له للجزائر حينما وصف الوضع في الصحراء بالاحتلال. لكن الخطوات التي اتخذها الملك محمد السادس للتصدي لمحاولات إضعاف مشروع الحكم الذاتي الذي يراه المغرب الحل الوحيد لإنهاء النزاع بشأن الصحراء أعطت نتائجها، فضلا عن جدية ومصداقية الموقف المغربي الداعي إلى حل سلمي متوافق بشأنه حول النزاع.
ثالثا: إن القرار الذي صادق عليه مجلس الأمن حول نزاع الصحراء، يشكل انتكاسة صارخة لجميع مناورات الأمانة العامة للأمم المتحدة، خاصة منها تلك التي تم القيام بها خلال زيارة الأمين العام وتلك التي وردت في تقريره الأخير، بتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن الدور الذي قامت به الدول الصديقة للمغرب وعلى رأسها فرنسا الحليف الوفي له منذ سنة 1975، التي ساهمت في التوصل إلى الصيغة النهائية للقرار وإعادة التوازن، يعد ردا قويا على الموقف الأمريكي الذي اتسم بالخذلان تجاه المغرب بما يعكس روح الشراكة، مع الأسف، التي تربطه مع الولايات المتحدة، وتجلى ذلك من خلال مسودة مشروع القرار الذي أعدته واشنطن والذي يتضمن عبارات "التهديد والإضعاف".
رابعا: نجاح المغرب في حصر مهام بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) في المراقبة العسكرية، عكس ما كانت تطالب به جبهة البوليساريو بتركيز البعثة على مراقبة إجراء استفتاء حول تقرير المصير ووضع تقارير عن حقوق الإنسان في مختلف أنحاء الصحراء الغربية.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تراجعت عن الدعوة التي وجّهها سابقا مبعوث الأمين العام الأممي إلى الصحراء كريستوفر روس لوضع آلية لمراقبة مستمرة وحيادية لحقوق الإنسان، إلا أنها ناشدت طرفي النزاع تعزيز التعاون مع الهيئات والآليات القائمة ضمن منظومة الأمم المتحدة والمعنية بوضع التقارير عن حقوق الإنسان.
في هذا السياق، اكتفت الأمم المتحدة من خلال قرار مجلس الأمن الأخير بجعل موقفها من مراقبة حقوق الإنسان مقتصراً على الدعوات المتكرّرة إلى المغرب والبوليساريو للتعاون مع آليات المنظمة وإجراءاتها المطبّقة حالياً في مجال حقوق الإنسان. وهكذا فإن المجلس قطع مع جميع محاولات تغيير مهمة المينورسو، وتوسيعها لتشمل مهاما غير متفق عليها، وعمليات تتنافى مع الغاية من إحداثها.
وعليه، فإن قرار مجلس الأمن، على الصيغة التي صدر بها، يشكل انتصارا للدبلوماسية الملكية على التحرشات والاستفزازات الأخيرة للجزائر وإفشال مخطط الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وتحيزه لطرف واحد في النزاع، وهذه الجهود التي قام بها الملك محمد السادس تضع الحكومة المغربية والبرلمان والمجتمع المدني أمام مسؤوليات أخرى كي يربح المغرب رهان مقترحه حول الحكم الذاتي، وذلك من خلال تكريس دبلوماسية فاعلة ومنفتحة، حتى على المناوئين للقضية الوطنية، بهدف توسيع من دائرة الحلفاء، في دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
د/خالد الشرقاوي السموني
مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية