بعد اعتماد القرار 2285 حول الصحراء المغربية، كثرت التعليقات والتحاليل التي قالت بنبرة تشاؤمية وسودوية إن موقف المغرب أصبح أضعف مما كان عليه في السابق، غير أن هذه القراءات تغاضت عن السياق الذي جاء فيه القرار.
صحيح أن المغرب لم يحقق أي اختراق في تحقيق اعتراف المجتمع الدولي بسيادته على الصحراء من خلال دعم مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه إلى مجلس الأمن عام 2007. ومع ذلك، وبالنظر إلى الضغوط التي تعرض لها المغرب خلال الشهور الأخيرة من العديد من الجهات، فينبغي القول إنه خرج بأقل الأضرار، وحافظ على الوضع القائم وفقاً لما يتماشى مع أجندته.
ولفهم ما إذا كان المغرب عانى من انتكاسة أو حقق انتصارا دبلوماسيا ً معنوياً، فيجب وضع قراءة قرار هذه السنة في السياق العام الذي جاء فيه.
زيارة الأمين العام وقرار المحكمة الأوروبية
أولا، يجب ألاّ ننسى أن زيارة الأمين العام جاءت في سياق قرار المحكمة الأوروبية الذي أقر بعدم قانونية الاتفاقية الفلاحية الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي عام 2012 بداعي أنها لا تراعي مصالح الصحروايين. فهذا الحكم الذي لم يكن في صالح الرباط أعاد إلى الواجهة، وبشكل قوي، شبح استعمال البوليساريو والدول الداعمة لها ورقة استغلال الثروات الطبيعية من طرف المغرب. وبالنظر إلى الدور الذي لعبة السويدي Hans Corell في الترويج لأطروحة البوليساريو في هذا المجال، كان من المحتمل جداً أن يتطرق تقرير الأمين العام لهذه السنة إلى هذا المسألة بشكل واضح، وأن يتهم المغرب باستغلال الموارد الطبيعية للصحراء.
وهنا يجب ألاّ ننسى أن Hans Corell، الذي شغل لمدة طويلة منصب المسشار القانوني للأمم المتحدة، أصدر عام 2002 قرارا استشارياً قال فيه إذا قامت شركات التنقيب عن النفط بأنشطتها في الصحراء من دون استشارة ساكنة المنطقة، فإن ذلك قد يشكل انتهاكًا لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالأراضي غير المتمتعة بالحكم الذاتي. ومنذ ذلك الحين والمحامي السويدي يروج لهذه الأطروحة ضد المغرب، والتي أصبحت مع مرور الوقت المرجع الأساسي لكل الأطراف التي تتهم المغرب باستغلال الثروات الطبعية للمنطقة. وكان الرأي الاستشاري للمحامي السويدي هو المرجع الذي اعتمدت عليه محكمة الاتحاد الأوروبي قبل إصدار حكمها ضد الاتفاقية الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
ولعل اختيار الأمين العام لشهر مارس، أسابيع قليلة قبل صدور قراره السنوي، لزيارة المنطقة وإشارته إلى معاناة الصحراويين في مخيمات تندوف وإلى عدم استفادتهم من الثروات الطبيعية للمنطقة، لخير مؤشر على نيته استعمال هذه الورقة ضد المغرب وتقديم توصية صريحة لمجلس الأمن من أجل البت في هذه المسألة من خلال اعتماده على قرار المحكمة الأوروبية. كما كانت نية الأمين العام واضحة حينما أشار إلى معاناة الصحراويين مع استعماله لعبارة "الاحتلال" في إشارته إلى سيادة المغرب على الصحراء.
كما أن هناك عنصرا أساسيا ينبغي الانتباه إليه، هو أن هذه السنة هي الأخيرة في ولاية الأمين العام على رأس الأمم المتحدة. وبعد فشله الذريع في إدخال إصلاحات على الأمم المتحدة وفي العديد من القضايا الموضوعة على أجندة المنظمة الدولية، على رأسها القضية الفلسطينية والأزمة السورية، وغيرها، فإن بان كي مون كان يسعى إلى ترك بصمة شخصية له على نزاع الصحراء من خلال الاصطفاف إلى جانب البوليساريو.
كل هذه العناصر كانت تؤشر على نية مبيتة للأمين العام في تقديم تقرير قوي يدعو فيه مجلس الأمن إلى إعادة النظر في المسار السياسي الذي انطلق بموجب القرار 1754 لعام 2007 والنظر في مسألة الاستغلال للثروات الطبيعية من طرف المغرب، بالإضافة إلى النظر في إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء وفي مخيمات تندوف.
التحرك الاستباقي للمغرب
غير أن المغرب فهم اللعبة من قبل وقرر التعامل معها بشكل استباقي. واستباقاً لهذا السيناريو، الذي كان من شأنه أن يعصف بالمسار السياسي الأممي، قررت الرباط التصعيد مع الأمين العام من خلال إدانة تصريحاته أولاً، ثم من خلال طرد المكون المدني للمينورسو. فحينما قام المغرب باتخاذ هذا الإجراء، فإنه كان على علم أنه لن يلقى قبول أعضاء مجلس الأمن، بما أن المينورسو تعمل في الصحراء بناءً على ولاية ممنوحة لها من طرف المجلس. كما أن المغرب كان على علم بأنه سيكون مجبرا على قبول عودة المكون المدني للبعثة في آخر المطاف، وإن كان عن طريق عملية تفاوضية يقبل من خلالها الطرفان حلاً وسطاً يحفظ ماء وجهيهما.
في هذا الصدد، ينبغي علينا ألاّ نقرأ عودة المكون المدني للمينورسو بمثابة هزيمة للمغرب أو رجوع إلى الوراء، وألاّ نترك العاطفة تؤثر على قراءتنا وفهمنا للأمور. فما يجب أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن الأمم المتحدة، هو أن هذه المنظمة غالباً ما تأخذ قراراتها بناءً على اعتبارات سياسيوية أكثر منه بناءً على معطيات عقلانية أو انطلاقا من فهم للأمور على أرض الواقع. فعلى الرغم من أن الأمم المتحدة تعي بأن احتمال تنظيم استفتاء في الصحراء أصبح منعدماً، فإنها لا زالت متشبتةً باستمرار بعثتها كاملة في الصحراء.
وهنا أستشهد بمقال نشره الأمريكي Antoine Banbury، الذي عمل في الأمم المتحدة لمدة ثلاثين سنة وشغل منصب مساعد الأمين العام للدعم الميداني حتى استقالته الشهر الماضي. ففي مقال نشره يوم 18 مارس الماضي في جريدة New York Times، قال الموظف الأممي السابق إن ثاني أكبر مشكل تعاني منه الأمم المتحدة بعد انعدام المحاسبة هو اتخاذ قرارات بناءً على اعتبارات سياسيوية عوض احترام مبادئ الأمم المتحدة أو الواقع على الأرض. وأعطى السيد Banbury مثالاً ببعثة الأمم المتحدة في هايتي؛ حيث يوجد 4500 شخص من قوات حفظ السلام في بلد ليس فيه أي صراع مسلح. وأضاف أن أغلب بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، على غرار مينورسو، تظل في مكانها لسنوات طويلة دون هدف محدد أو استراتيجية خروج واضحة المعالم.
وهنا يجب التأكيد على أن المغرب اتخذ ذلك القرار بشكل محسوب من أجل فرض أجندته وجعل نقاشات شهر أبريل ترتكز على ضرورة عودة المينورسو إلى وضعها الطبيعي، عوض إعطاء الفرصة للأمين العام ومبعوثه الشخصي لإعادة إحياء توصية إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، ومطالبة مجلس الأمن بالنظر في مسألة الاستغلال المزعوم للترواث الطبيعية للمنطقة من طرف المغرب، والمطالبة بإجراء مراجعة شاملة للعملية السياسية أو الدعوة إلى إقبار مخطط الحكم الذاتي المغربي.
وبالتالي، فإذا وضعنا كل هذه العوامل في الحسبان وفي سياقها الصحيح، فيمكننا القول إن المغرب خرج من معركة أبريل السنوية بأقل الأضرار. كما يمكن اعتبار تمكنه من إحباط المناورات التي قامت بها الجزائر وحلفائها وبعض الشخصيات المؤثرة في الأمانة العامة للأمم المتحدة بمثابة انتصار مرحلي.
التحلي بالحيطة والحذر واستخلاص الدروس من هذه السنة
غير أن ذلك لا يعني أنه ينبغي لنا أن نتغنى بهذه الخطوة؛ إذ إن الطريق لا زال عسيراً والقادم قد يكون أصعب مما فات. وبالتالي، ينبغي للمغرب استخلاص الدروس والعبر من هذه التجربة وكذلك من مواقف بعض الدول التي كان الكثيرون يظنون بأنها ستقدم دعمها الضمني للمغرب أو على الأقل الحفاظ على حيادها الإيجابي من خلال الامتناع عن اتخاذ أي خطوة معادية لمصالح المغرب، على رأسها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
في هذا الصدد، أظن أنه على المغرب أن يتعامل بحزم وحكمة وتبصر مع الأمم المتحدة لتفادي أخذ التوتر القائم بينه وبين الأمانة العامة بعدا آخر قد يصعب عليه التعامل معه بفعالية. ومن هذا المنطلق، ينبغي على المغرب تفادي الدخول في مواجهة مع مجلس الأمن. فحينما طالب قرار مجلس الأمن الرباط بالسماح بعودة المكون المدني للمينورسو، فإن المعادلة أصبحت الآن بين المغرب ومجلس الأمن، بصفته الجهة التي تمنح الأمانة العامة للأمم المتحدة ولايتها لإدارة النزاع القائم حول الصحراء.
فقد أظهرت لنا الاجتماعات والمداولات التي عقدت خلال الأسابيع الأخيرة والمسار العسير للتصويت على القرار 2285 أنه لا شيء مضمون وأنه لا يمكننا توقع مواقف العديد من الدول، بما فيها الدول التي نظن أنها داعمة للمغرب. فباسثناء فرنسا، فإنه ليس هناك أي ضمان بأن تقوم دولة أخرى من الدول الخمس دائمة العضوية بتقديم الدعم للمغرب في حال وصلت العلاقة بينه وبين مجلس الأمن إلى الباب المسدود.
علينا أن نعلم أن البلد الوحيد في العالم الذي يمكنه عدم الاكثرات بقرارات مجلس الأمن هو إسرائيل. والكل يعلم لماذا ويعلم أن أي رئيس أمريكي ملزم بحماية مصالح إسرائيل والوقوف أمام أي خطوة لمجلس الأمن أمام هذا البلد.
ضرورة العمل على تحصين علاقة المغرب وأمريكا
من جهة أخرى، فبعد ما يمكن أن أسميه الصدمة التي خلفها مشروع القرار الأمريكي الأول، يجب علينا أن نتحلى بالحكمة وألاّ نستعجل ونقول إن الولايات المتحدة انقلبت ضدنا. على العكس من كذلك، يجب علينا استخلاص الدروس والعبر من هذه الكبوة في العلاقات بين البلدين والعمل على الوقوف على الأسباب التي أدت إلى ذلك.
صحيح من حقنا كمغاربة أن نعبّر عن انزعاجنا من الموقف الضبابي للولايات المتحدة، خاصةً في ظل التصريحات الرنانة للمسؤولين الأمريكيين. ولكن، عوض الإلقاء باللوم عليها، ينبغي علينا فهم أسباب هذا الموقف الغامض لأمريكا ولماذا لم يستطيع المغرب، إلى حد الآن، تحصين علاقاته مع واشنطن ضد أي تغيير في الإدارة الأمريكية. كما ينبغي طرح سؤال جوهري: لماذا لم يستطيع المغرب اختراق الحزب الديمقراطي وكسب تعاطف الشخصيات والتيارات المؤثرة فيه؟
ففي الوقت الذي وصلت فيه العلاقات بين المغرب وفرنسا وإسبانيا مرحلة النضج؛ حيث أصبحت في منأى عن تغيير لون وإيديولوجية الحزب الحاكم، لم تصل بعد علاقات الرباط مع واشنطن إلى المستوى نفسه.
فمهما كان الأمر ومهما قلنا، فالمغرب سيكون محتاجا للدعم الأمريكي وسيكون من السذاجة التفكير بأنه بإمكاننا الاستغناء عن الدور الأمريكي. صحيح من الواجب والضروري تنويع علاقاتنا مع دول أخرى، ولكن يجب القيام بذلك مع الحفاظ على متانة العلاقات المغربية الأمريكية. ولو كانت لنا مراكز أبحاث كثيرة تقوم بنشر دراسات استشرافية وتحاليل معمقة، لربما فهم المغرب الطريقة المثلى التي تمكنه من ربح رهان الإدارة الأمريكية على اختلاف لون الحزب الحاكم.
يجب أن نكون موضوعيين وواقعيين، فمركز القرار لا يزال في واشنطن، وينبغي العمل بناءً على هذا المنطلق والابتعاد عن كل شيطنة للولايات المتحدة الأمريكية. ففي آخر المطاف، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار بأن لنا رصيدا تاريخيا كبيرا مع هذا البلد، وبأن هذه الأزمة عابرة وبإمكاننا تدارك الموقف وإعادة الأمور إلى نصابها.
سمير بنيس
*خبير في قضية الصحراء ومستشار سياسي | رئيس تحرير موقع Morocco World News