عبد الرحيم أريري، مدير نشر أسبوعية «الوطن الآن
لما تم اعتقال ابن القيادي الاستقلالي حميد شباط بفاس، تم اتهام القضاء بأنه مسخر لضرب حزب الاستقلال. وحين اعتقل رئيس المجلس الإقليمي لخريبكة، تم التأكيد أن هناك جهات تريد محو حزب الاستقلال من الخريطة. ولما بوشر التحقيق القضائي في ملف جماعة أولاد صالح، قال حزب الاستقلال إن هناك أيادي تتطلع إلى اقتلاع جذور الحزب من جهة الدار البيضاء. وأثناء تحريك النيابة العامة للمساطر في قضية مديونة، صاح حزب الاستقلال منددا بالحملة التي تطاله.
وفي ميدلت، لما قامت النيابة العامة باعتقال رئيس الجماعة (في القضية المشهورة بملف الألعاب)، لم يتردد حزب العدالة والتنمية في القول إن هناك من يريد قطع الطريق على تغلغل الحزب في جبال الأطلس. وفي الوقت الذي أعطت النيابة العامة الضوء الأخضر للتحقيق في حادث وجدة، كشر حزب المصباح عن أنيابه بالقول إن القضاء غير محايد تجاه أنصار عبد الإلاه بنكيران. ولما أدين ابتدائيا رئيس جماعة مكناس السابق، حرص مسؤولو حزب العدالة والتنمية على القول إن رئيسهم يؤدي ضريبة المواجهة مع السلطة.
وفي تارودانت، وفي الوقت الذي سلطت الأضواء على ملف رئيس جماعة تينزرت بشأن اتهامه باحتجاز أستاذ لمدة 5 سنوات وإصدار المحكمة لقرارها باعتقال الرئيس، خرج علينا أطر حزب التجمع الوطني للأحرار بالقول بأن القضية مسيسة، وبأن المسألة تروم القضاء على تجذر حزب الحمامة في سهول سوس.
ولما تسربت الأنباء بخصوص وضع النيابة العامة اليد على قضية جماعة ابن احمد بسطات، غرف حزب الاتحاد الدستوري بدوره من محبرة التنديد والاستنكار قائلا إن الحزب مستهدف في إحدى قلاعه العتيدة.
وأثناء مباشرة قضاة الحسابات التحقيق في ملفات أكادير، صوب الاتحاد الاشتراكي نيرانه نحو ما اعتبره القضاء المخدوم لتذويب الحضور الاتحادي بعاصمة سوس.
ما الذي يعنيه سرد هذه الحالات؟
ما الذي يعنيه حرص قادة أحزابنا على هذا الإسهال المبالغ فيه في ملاكمة القضاء كل يوم وفي كل محطة وفي كل قضية وضع القضاة أياديهم عليها؟
هل «الميساج» المراد تمريره من خلال مواقف الأحزاب، هو إقناع المواطن بأن القضاء مجرد «كلينكس» أو «فوطة صحية» تمسح فيها أعطاب مسؤولي ومنتخبي الهيآت السياسية؟
إن تناسل ظاهرة التشكيك في القضاء من طرف كل حزب تتحرك المسطرة ضد أحد أعضائه أو منتخبيه لا تحتمل إلا شيئين: إما أن القضاء فعلا منخور و«مخدوم» وموجه من طرف عراب
لامرئي، وإما أن قادة الأحزاب يسعون إلى (Un parrain)
خلق سلالة من السياسيين لا ينبغي أن يمسها القضاء لقناعاتهم بأن القضاء لم يوضع إلا لـ «الحثالة» ولـ «الرعاع
و «العوام».
أيا كان الموقف، فإن الظاهرة المرضية المذكورة أصبحت مقلقة، وتحتاج فعلا إلى وقفة من طرف القضاة أولا للدفاع عن مؤسستهم، وإلى وقفة من طرف مناضلي الأحزاب لفرملة ألسن قادتهم الذين اعتادوا إطلاق الكلام على عواهنه بدون احترام لنضج المجتمع ولذكاء المواطنين.