من الواضح أن العلاقة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية ليست على ما يرام في نزاع الصحراء، والظاهر أن الرئيس باراك أوباما الذي تفادى الإتصال الشخصي بالملك محمد السادس خلال التوثر مع بان كي مون، مكلفا وزير خارجيته جون كيري بإجراء المكالمة الهاتفية، لم يكن على استعداد مرة أخرى لمناقشة قضية الصحراء مع العاهل المغربي في العاصمة السعودية الرياض حيث جرت القمة المغربية الخليجية والقمة الخليجية الأمريكية في نفس التوقيت.
وقد كان وزير الخارجية والتعاون الأسبق محمد بنعيسى مصيبا في تحليله للمواقف الأخيرة لبان كي مون وهو يطرح السؤال حول من يقف وراء الأمين العام للأمم المتحدة الذي تحول إلى رهينة لمبعوثه الشخصي الأمريكي كريستوفر روس، وقد كان لافتا للانتباه في عز التوثر بين المغرب وروس إصرار باراك أوباما على أن يتضمن البيان الصادر عقب القمة التي جمعته بالملك محمد السادس في العاصمة واشنطن فقرة تنص على الدعم الأمريكي لروس.
ولم يعد خافيا أن الولايات المتحدة وبريطانيا تبحثان عن صيغة أخرى لتسوية النزاع بعيدا عن مفاوضات الحكم الذاتي، وحتى حين تواثرت تسريبات المشروع المشترك المستوحى من دول الكومنويلت التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني، لم يكذب الأمريكيون الخبر، واختاروا أن يحافظوا على دائرة موسعة للالتباس، ما جعل رشيد الطلبي العلمي رئيس مجلس النواب يتخلى عن واجب التحفظ ليقول في برنامج بالتلفزيون العمومي أن هناك مخططا أجنبيا بدأ تطبيقه منذ سنة 2013 يرمي إلى فرض حل في الصحراء لا يصب في صالح المغرب.
ويمكن للمرء أن يلاحظ بسهولة أن الولاية الرئاسية لباراك أوباما كانت الأصعب بالنسبة للمغرب في نزاع الصحراء، صحيح أنه أول رئيس يوافق على تمديد نطاق المساعدات الأمريكية لتشمل أقاليم الصحراء، لكن مندوبته في مجلس الأمن هي من قدم أول مبادرة أمريكية لتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، كما أن مواطنه كريستوفر روس هو أول مبعوث أممي يحاول إقبار مقترح الحكم الذاتي، وفي أروقة الأمم المتحدة يحدث لأول مرة أن ينخرط الخبراء الأمريكيون في بحث مسودة مشروع انفصالي يختبئ وراء شعارات ارتباط الصحراء بالدولة المركزية في الرباط.
وقد كان بإمكان باراك أوباما أن يكون حاسما في التباسات الموقف الأمريكي لكنه اختار أن يطيل أمد الغموض، وحتى حين يقول وزير خارجيته جون كيري إن موقف البيت الأبيض من نزاع الصحراء هو المعبر عنه في البلاغ المشترك لقمة نونبر 2013 ، فإن ذلك لايبدد مخاوف المغاربة من مفاجآت الأمريكيين، وإلا لما كنا بحاجة شهر أبريل من كل سنة لأن ننخرط في ماراطون استنزاف ديبلوماسي كي نغرق الإدارة الأمريكية برسائل السفراء السابقين وأعضاء الكونغريس الذين يطلبون من البيت الأبيض دعم الموقف المغربي.
وما هو أكيد حتى الآن هو أن الرئيس أوباما صار يجد في مشاريع تقسيم الدول الحل الأسهل لفشل الإدارة الأمريكية في تدبير الأزمات السياسية التي فجرتها في دول الخليج وشمال إفريقيا، فحين انتهت العملية السياسية في العراق إلى الباب المسدود طرح الأمريكيون مشروع تقسيم العراق، وبعد أن تقاعسوا في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا هاهم يروجون من جديد لتقسيم هذا البلد كحل لأزمته الطائفية، وحتى في ليبيا تبدو الوصفة نفسها جاهزة لتكون فوق الطاولة: تفكيك الدولة الليبية وإحلال نظام فيدرالي من ثلاث ولايات.
وحين يقول بان كي مون في الجزائر وتندوف إن المغرب دولة احتلال، ولما ينحني لعلم دولة وهمية ليست عضوا في الأمم المتحدة ثم يرفع شارة النصر للإنفصاليين فوق التراب الجزائري، نفهم لماذا لم يعد كريستوفر روس منذ 2013 على الأقل متحمسا لمبادرة الحكم الذاتي، ونستطيع بعد كل ذلك أن نتوقع من الأمريكيين غدرا لا يحترم لا الصداقات ولا التحالفات.
لقد كان الموقف الروسي، الحليف التقليدي للجزائر، من تداعيات النزاع مع بان كي مون أكثر حسما من الموقف الأمريكي، كما أن حرص الصين على عدم التدخل في الشؤؤن الداخلية للدول واحترام وحدة أراضيها يتناقض تماما مع الميل الغريزي لدى الأمريكيين نحو مشاريع التجزئة والتقسيم، ولذلك كان قرارا صائبا ذاك التوجه الديبلوماسي الجديد للمغرب نحو تقوية علاقاته مع هذين الحليفين الاستراتجيين، فقد علمنا الأمريكيون أنهم لا يؤمنون إلا بلغة المصالج وبتوازن الرعب وموازين القوى الديبلوماسية، ومن موسكو والصين نستطيع إحداث هذا الفارق في علاقتنا بواشنطن.
وكما قال الملك محمد السادس في خطابه أمام قادة الخلية « إن الوضع خطير، خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف ، ومحاولات الطعن من الخلف. (…) إننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي. فالأمر واضح ، ولا يحتاج إلى تحليل. إنهم يريدون المس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية» ..
انتهت المجاملات وانتهى الكلام.
بقلم يونس دافقير