اميركا صانعة الحروب عبر التاريخ، وصانعة الارهاب وراعيته، لتحقيق امبراطوريتها التوسعية وإخضاع العالم لهيمنتها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وحتى اعلاميا، وهذا ما نراه الان على ارض الواقع، متجسدا في غزوها للشرق الاوسط لتحقيق حلمها في اقامة الشرق الاوسط الجديد على مقاسها، وإعادة رسم خارطة المنطقة من جديد على انقاض سايكس-بيكو، وانشاء سايكس بيكو جديد، لمناسبة مرور قرن كامل من الزمان على اتفاقية تقسيم الشرق في ما سمي اتفاق سايكس بيكو، والتي ينتهي مفعوله نهاية هذا العام، ليحتفل اوباما برسم جديد ترسمه السياسة الاميركية عبر مشروعها التقسيمي وما يعرف بـ"مشروع برنارد لويس" لتفتيت وتقسيم المنطقة على اسس اثنية وعرقية وطائفية وقومية.
هنا قراءة واقعية ورؤية استباقية لمشروع اوباما التقسيمي، وهو يودع الرئاسة الاميركية، ليقيم امبراطورية اميركية ويحقق حلم اميركا في اقامة مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي بدأه المجرم بوش بغزوه واحتلاله للعراق. لذلك لابد من قراءة ما يجري اليوم في المنطقة والعالم من سياسة التجويع والابادة والتهجير ودعم وصناعة الارهاب والقتل الجماعي، وتدمير اقتصاد المنطقة بتخفيض اسعار النفط واستخدامه كسلاح تدميري للدول المعارضة للسياسة الاميركية، ومن يقف عائلا في تنفيذ وتحقيق مشاريعها وسياستها. وهذه السياسة تغذي حروبها نحو التقسيم والتفتيت والتفكيك السريع للمنطقة.
كرد فعل لهذه السياسة العدوانية، خرجت علينا تنظيمات اسلامية متطرفة في المنطقة لم نسمع ونرى مثلها سابقا، ومنها تنظيم القاعدة في افغانستان وتنظيم الدولة - داعش في العراق، وظهور ميليشيات مقابلة لهذه التنظيمات تدعمها وترعاها ايران بشكل مباشر، لاهداف توسعية وتمدد ايراني لمشروع كوني ايراني ديني مقابل لمشروع اميركا في اقامة الشرق الاوسط العسكري الكبير، وهما يسيران بشكل متواز الان نحو التحقق، والضحية دائما العرب وارضهم ومستقبلهم. ولهذا رعت ايران وسلحت ومولت ودربت حزب الله والحوثيين والميليشيات في العراق، لتجعلها اليد الضاربة للحرس الثوري في الدول العربية، وما ترونه شاخصا في العراق واليمن وسوريا ولبنان، لتحقق بها مشروعها المعلن الامبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد، اذا الاهداف والمشاريع الاميركية والإيرانية تسير متلازمة في الشرق، دون ان تتقاطع لان الضحية واحدة والارض واحدة والتنفيذ بوقت واحد وزمن واحد، وهم العرب وأرضهم.
كانت بنود الاتفاق النووي الايراني منطلقا لكل هذا. وهنا لابد لنا من توضيح أن منفذي المشروع الاميركي هم حكومات الاحتلال منذ بدء العدوان وتشكيل حكومات المحاصصة الطائفية والدستور المسخ المفخخ طائفيا وحل الجيش العراقي واقصاء وتهميش مكون اساسي من مكونات الشعب العراقي، كشرط اميركي اساسي. هذا ما نفذته حكومات الاحتلال ولحد الان.
اليوم ثمة تحولات كبرى تنتظر المنطقة انطلاقا من العراق وسوريا، وهو الصفحة الاخيرة، من صفحات الاحتلال الاميركي وتدخلها في المنطقة. وما نراه في العراق وسوريا من احتراب وتهجير واقتتال طائفي تحريضي، هو مخطط اميركي لإدخال المنطقة في الحرب الطائفية الاهلية، فدعمت اميركا طرفي النزاع وهي المعارضة السورية من جيش حر وأحرار الشام وفتح الشام والنصرة وتنظيم داعش، ضد الجيش السوري وحزب الله وبعض الميليشيات العراقية تحت قيادة قاسم سليماني، في حين تواجه داعش الميليشيات الايرانية بقيادة هادي العامري وعددها 54 ميليشيا تحت يافطة الحشد الشعبي بفتوى دينية لمرجعية النجف.
امس قال ستيف وارن منسق التحالف الدولي الاميركي "ان طيران التحالف يقصف الميليشيات والجيش" بموافقة حكومة العبادي وعلمها، في نفس الوقت الذي تقصف طائرات التحالف تنظيم داعش ومقراته. ماذا يعني هذا؟ الا يفضح سياسة اوباما وإستراتيجيته في العراق، في انها تدعم كل الاطراف المتقاتلة وتحارب في نفس الوقت كل الاطراف المتقاتلة، وتدعم في السياسة الكتل المتصارعة (كل على حدة) في حكومة العبادي، وتحاربها في نفس الوقت علنا، اي تدعم وتحارب الجميع لإشعال وإنهاك الجميع، للسيطرة عليهم وهم متقاتلون ومتصارعون. نفس النهج السياسي مع الميليشيات، فهي تقوى طرف على اخر لإضعاف جميع الاطراف في وقت واحد.
السيناريو الاميركي الان هو ما صرح به اوباما امس وهو اعلانه انتهاء معاهدة سايكس–بيكو القديمة. هكذا سماها، في اشارة واضحة على تجديدها برؤية اميركية. وتزامن هذا التصريح، مع تصريحات على لسان مسعود البرازني رئيس اقليم كردستان العراق، في اصراره على اجراء استفتاء لتقرير مصير الأكراد في العراق وانتهاء سايكس بيكو وضرورة اعادة رسم خارطة المنطقة كلها وتحقيق حلم الأكراد في اقامة دولتهم الكبرى، وتلاه تصريح اخر لرئيس حكومة الاقليم نيجرفان البرازاني، عن موعد الاستفتاء وتقرير المصير، اضافة الى تصريحات حكومية ورؤساء كتل برلمانية وأحزاب طائفية تردد النغمة الاوبامية في اعادة رسم خارطة المنطقة وإلغاء سايكس بيكو القديمة.
هنا تبرز عملية اهتمام ادارة اوباما وجنرالاته العسكريين واوباما شخصيا بما سمي بـ "انهيار سد الموصل"، فما علاقة السد وانهياره بإدارة اوباما، ولماذا هذا الاهتمام الكاذب بأرواح العراقيين الان، وهو يقتل بهم يوميا بالمئات عن طريق القصف العشوائي للمدن العراقية. اذن لابد من مصلحة اميركية لهذا ألاهتمام.
اوباما يريد ان يحقق هدفا سياسيا وعسكريا، من وراء تخويف العراقيين من انهيار سد الموصل، واستعداد اميركا لإصلاحه ومنع انهياره، مقابل عودة اميركا للموصل عسكريا لتنفيذ معركة الموصل الحاسمة، وإيجاد تبرير منطقي لإعادة احتلال العراق وفرض شروطها على حكومته، في القضاء على داعش والميليشيات معا، وهو ما ترفضه احزاب ايران الحاكمة في العراق وميليشياتها وحشدها وقيادة الحشد، وهذا ما يبرر اعلان وزير الخارجية ابراهيم الجعفري ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ان لا يوجد اي جندي اجنبي على ارض العراق "ولا نسمح بتواجد اي اجنبي يقاتل في العراق"، وهي ايضا اكذوبة يدحضها الواقع وتواجد الحرس الثوري وفيلق القدس الايراني في محافظة ديالى وسامراء والانبار وغيرها. اذن اكذوبة انهيار سد الموصل على لسان اوباما وتحذره من حصول كارثة وغرق مدن عراقية ما هي الا ايجاد لذرائع وتبريرات لإعادة الانتشار في الموصل تحديدا وقطع الامدادات كليا عن تنظيم داعش بينه وبين سوريا، تمهيدا لاعلان معركة الموصل. وبعدها يعلن اوباما وادارته، بعد تحرير الموصل وانتهاء تحرير الرمادي من تنفيذ صفحة التقسيم، وهي تطبيق مشروع بايدن في العراق، واعلان الاقاليم الثلاث حسب المنظور الاميركي، والذي يتزامن مع تصريحات عراقية لاحزاب وشخصيات عراقية بارزة، وهو ما تعمل عليه ادارة اوباما وما يحلم به اوباما نفسه ليودع فترة حكمه نهاية العام 2016 بتحقيق نصرين في ان واحد، وهما القضاء على داعش والميليشيات في العراق وتحقيق الديمقراطية الاميركي حسب توصيفها، وتنفيذ مشروع بايدن وهو اقامة الاقاليم في العراق، ومن بعدها الاقاليم في سوريا بمساعدة روسيا وإيران في كلا البلدين.
عبدالجبار الجبوري