«خطاب قوي»، «ناري» و«لاذع» … هكذا كانت ردود الأفعال في التعليقات التي أعقبت خطاب الملك محمد السادس في أشغال القمة الخليجية المغربية، وفي الواقع فإن كل الخطب الملكية إلى القمم العربية كانت تسير على هذا المنحى الذي يتحدث بصراحة قاسية عن واقع الحال العربي، لكن خطابه في العاصمة السعودية الرياض، تضمن لأول مرة تقييمه الصريح لمآلات ما عرف في الإعلام والسياسة الغربيين بـ«الربيع العربي».
وسط جيل جديد من الزعامات التي تغازل ثورات الشارع، وتحتفل بما تسميه حراكا عربيا، إما بحثا عن المهادنة أو جريا وراء مصالح، يختار ملك المغرب أن يقولها بوضوح: «فبعدما تم تقديمه كربيع عربي، خلف خرابا ودمارا ومآسي إنسانية، ها نحن اليوم نعيش خريفا كارثيا، يستهدف وضع اليد على خيرات باقي البلدان العربية ومحاولة ضرب التجارب الناجحة لدول أخرى». هل هناك وضوح أكثر من هذا؟، نعم، بعض الالتباسات تحتاج لأن تتم تسميتها بمسمياتها دون لف أو دوران.
لم يتردد الملك في أن يقول بأن ما يقع في العالم العربي هو عبارة عن «مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي، فالأمر واضح ولا يحتاج إلى تحليل، إنهم، يريدون المس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها»، ومن باب التأكيد على أن الفكرة مقصودة ولم ترد بشكل عابر في نص الخطاب، يعيد الملك تكرارها في مقطع آخر منه حين يقول: «لقد حان وقت الصدق والحقيقة، إن العالم العربي يمر بفترة عصيبة، فما تعيشه بعض الدول ليس استثناء وإنما يدخل ضمن مخططات مبرمجة، تستهدفنا جميعا».
عند هذا المستوى من التحليل يعيد الملك قراءة طبيعة النزاع الإقليمي حول الصحراء، ولأول مرة سيظهر في المقاربة الملكية الجديدة أن قضية الوحدة الترابية للمغرب تتجاوز أن تكون مجرد توتر مع الجزائر أو تدخل لهذه الأخيرة في الشأن الداخلي لدول الجوار، إنها في الواقع جزء من مخطط التقسيم الشامل للدول الوطنية وإعادة تشكيلها على أسس طائفية أو عرقية، وبوضوح مرة أخرى يقول الملك «إن المخططات العدوانية، التي تستهدف المس باستقرارنا، متواصلة ولن تتوقف. فبعد تمزيق وتدمير عدد من دول المشرق العربي، ها هي اليوم تستهدف غربه. وآخرها المناورات التي تحاك ضد الوحدة الترابية لبلدكم الثاني المغرب».
والظاهر أن المغرب غير مطمئن لتحالفاته التقليدية في قضية الصحراء، خصوصا يوم فاجأته الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم توصية إلى مجلس الأمن تدعو إلى توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وهذا ما يجعلنا نفهم سر هذا التوجه نحو تقوية تحالفات جديدة سواء مع الصين أو روسيا، فبالنسبة للملك «إن الوضع خطير، خاصة في ظل الخلط الفاضح في المواقف، وازدواجية الخطاب بين التعبير عن الصداقة والتحالف، ومحاولات الطعن من الخلف».
لقد سبق للملك أن انتقد في خطاب رسمي الموقف الأمريكي من قضية الصحراء، ويبدو أن المشكل مازال مطروحا مع واشنطن، لكن الخطاب الملكي في الرياض يحاول أن يحافظ على خيوط المودة الممدودة مع باراك أوباما وجون كيري، ولذلك يكتفي بالقول أن المغرب كان دائم التنسيق مع أصدقائه التقليديين كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، «غير أن المشكل يبقى مطروحا مع المسؤولين بالإدارات، التي تتغير بشكل مستمر، في بعض هذه الدول، ومع كل تغيير يجب بذل الكثير من الجهود، لتعريفهم بكل أبعاد ملف الصحراء المغربية».
ومن دون شك كانت اللهجة التي تحدث بها الملك عن الأمين العام للأمم المتحدة قاسية في وضوحها وصراحتها، فعلى العكس من تصريحات مساعدي بان كي مون بأن انزلاقاته الأخيرة في نزاع الصحراء هي مجرد «آراء شخصية»، يذهب الملك إلى اعتبار أن المسؤول الأممي واع بمقاصده من وصف المغرب بدولة «احتلال»، وهي نفس مقاصد مشروع التقسيم الذي يستهدف الدول في المشرق العربي، ولذلك فإن بان كي مون ما هو إلا أداة في ما وصفه الملك بأنه «حرب بالوكالة».
نحن إذن أمام نسخة أخرى من الجيل الجديد من الخطب الملكية التي تحمل أولا شحنات انتماء عاطفي قوي للوطن وللأمة العربية، وتحمل ثانيا، كما في خطاب المنتدى الاقتصادي المغربي الإيفواري بأبيدجان، هموم انتماء قاري وترافع جريء دفاعا عن القضايا العادلة للشعوب الإفريقية. ومن دون شك فإن ذلك يجعلنا أمام ملك جديد تتوفر فيه كل طموحات وميزات الزعيم العربي والإفريقي الذي أقبر بطريقة لا رجعة فيها ذاك الشعار القديم الذي كان يتردد فيه أن «تازة أقرب من غزة».
بقلم يونس دافقير