هاته النبرة نبرتنا، وهذا الصوت يمثلنا، وهاته الكلمات إذ انسابت على لسان جلالة الملك في الرياض يوم الأربعاء لم تكن كلمات فقط. كانت صرختنا جميعا أننا لن نقبل باسم الصداقة اللفظية أن تمس مصالحنا وأن نجلس في موقع المتفرجين قلناها بالأمس ونقولها اليوم وسنقولها غدا: مختبرات التجارب تصلح للفئران، ونحن في هذا المكان بالتحديد نرفض أن نكون الناس الذين تختبر فيهم بلدان أسلحتها، وتغير بلدان أخرى خططها الاستراتيجية، وترسم بلدان ثالثة طرق انتفاعها ومصالحها عبرهم، وتمارس فيهم بلدان رابعة ديمقراطية لا تمارسها على أراضيها أو تعطي فيهم دول خامسة دروسا يجب أن تبحث عن متلق لها في غير هذا المكان . هنا – وهذا ليس كلام إنشاء أو ماشابه – ملتقى حضارات وتاريخ يفوق الطارئين والحادثين، ويتجاوز المؤقت بكثير لكي يكون الدائم إلى ختام كل الأيام، والتشبث به لم يكن في يوم من الأيام طريقة لإعلان التقليدانية حلا، مثلما قد يتصور بعض غير القادرين على الفهم السليم. لا، هذا التشبث بالمغرب و”تمغربيت” بديلا واحدا وأوحدا، يعني الإيمان بالمستقبل الواحد الموحد، ويعني الرهان على نقطة قوتنا الأولى لأجل مواجهة كل التحديات وما أكثرها في العالم اليوم
جلالة الملك الأربعاء تحدث باسم المغرب، لكن تحدث أيضا باسم الدول الخليجية الست، وقال لمن يريد سماع الكلام ولمن لا يريد ذلك – والإدارة الأمريكية هي الأخرى كانت حاضرة في الرياض عبر أعلى قياداتها: رئيسها ووزير دفاعها – إن الفرق كبير بين الأقوال وبين الأفعال، وإن مانسمعه من حديث عن الصداقات الدائمة تدحضه فورا أفعال أخرى تثبت المصالح الدائمة ، وأننا وإن كنا نفضل التريث المعتدل الهادئ في كل الأمور إلا أننا حين الجد، وحين الإحساس بالخطر يتهدد الوطن، نعرف أننا ملزمون جميعا بالدفاع عن الوطن، والاستجابة لندائه والذود عن حماه وكفى، دونما حاجة لقول أشياء أخرى لا مكان لها ووحدتنا أو مصلحتنا العليا مهددتان. والمغرب الذي اشتم في ثنايا أروقة الأمم المتحدة رائحة غير طيبة استكثرت عليه أن يعبر سنة 2011 بأمن وأمان، وأن يسجل هذا الاستثناء المغربي العنيد في وجه الفوضى الخلاقة ومن سطروا لها آيات الوجود، يعلم أنه يواجه اليوم مخطط تقسيمه ومخطط المساس بوحدته الترابية، ويعلم أنه ملزم برفع النبرة وإعلاء الصوت لكي تصل الرسالة واضحة غير ملتبسة لا تقبل قراءة أخرى غير القراءة الوحيدة الممكنة: الرفض لكل تلاعب بمصير ومصلحة هذا الوطن، التشبث بوحدة ترابه، الحفاظ على مكتسباته، البحث له عن مصادر تنمية كبرى ودائمة ومتجددة، الالتحام بين قيادته وشعبه، عدم ترك فجوة مهما صغرت لكي يمر منها الخونة وباعة أنفسهم وأوطانهم والسماسرة، (وهم موجودون في كل مكان لكنهم قلة في هذا المكان)، التعاون مع أصدقائه وأشقائه الذين يواجهون نفس التحديدات، بلورة مخطط وحدة جديد للانتماء القومي مبني على مصلحتنا جميعا، وعلى التفكير بيننا جميعا، وعلى سيرنا جميعا نحو نفس الأفق، ثم التهييء الفعلي والاستعداد الحقيقي لمواجهة كل التطورات، وقراءتها قبل وقوعها والتصدي للعاملين من أجل توجيهها نحو ما يمس بهذا الوطن. تلك النبرة، ذلك الحس الوطني الصادق القوي، وذلك الحسم في الحديث يمثلني، يمثلك، يمثلنا، هو هاته النحن الجماعية التي تحيا فوق هذا التراب، وتستظل بهاته السماء وتعلن الانتماء الشاسع لبراحنا الحضاري التاريخي المسمى المغرب بديلا ومنطلقا وهدف وصول، وهو ما نظل يوميا نقوله بكل الصيغ الممكنة قبل أن ننهي الكلام كل مرة مرة بدعائنا / صرختنا/ إيماننا: حمى الله المغرب العظيم. وكفى.