ثلاثة حوادث، أو لنسميها بلغة المغاربة «كسايد»، طغت على أخبار الأسبوع الماضي، حيث كانت حديث الصحف والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الإجتماعي.
الحالات الثلاث التي سنقف عندها أشبه بحوادث السير المجتمعية، التي تفضح مستورا نعرفه جميعا لكن نخفيه عن أنفسنا وكأننا نبرر وجوده ونلتمس العذر للتطبيع معه.
دعونا نقف عند الحوادث المعنية قبل أن ننظر في المرآة ونرى وجهنا على حقيقته.
هناك قضية قائد الدروة وما يحيط بها من جنس ومال واحتيال واستغلال للسلطة. الواقعة انتقلت لتصبح قضية رأي عام بعدما كانت أحداثها قد دارت في مدة زمنية غير قصيرة، بدأت ببناء عشوائي وتعامل سري مع «المقدمين»، وانتقلت إلى القائد لتشهد تطورات تم فيها استعمال السلطة والنفوذ والحيل، وانتهت باعتقال الزوج في كمين قانوني بالإبتزاز، ولينكشف المستور مع نشر فيديوهات تبين القائد في بيت نوم سيدة متزوجة، وزوجها وشخص آخر يهددانه، ثم يأتي الحديث عن عملية استدراج القائد للفخ، وتنهي وزارة الداخلية مشوار القائد بالتشطيب عليه من الوظيفة…
هي وقائع تشبه إلى حد ما أحداث المسلسلات، ولولا الأدلة لاعتبرها الناس قصة من وحي الخيال.
القضية الثانية التي قسمت نشطاء الفيسبوك ،على الخصوص، إلى فسطاطين، هي حكاية دنيا وخولة. بدأت الحكاية بشيوع خبر تعرض الممثلة دنيا بوطازوت لاعتداء بمقر مقاطعة بالدار البيضاء، نقلت على إثرها إلى المستشفى بعدما أصيبت بكسر في أنفها. ثم توالت الأخبار لتفيد بأن شابة في مقتبل العمر هي التي وجهت لدنيا «نطحة» أسالت دماءها لأنها لم تحترم الناس الذين سبقوها في الصف، واستغلت نجوميتها لتقضي أغراضها دونما اعتبار للمواطنين الآخرين. تطورت الأمور وصرحت دنيا بأن الشابة خولة اعتدت عليها ظلما وعدوانا وأنها احترمت دورها. ثم تناسلت الأخبار بعدها لتقول بأن دنيا هي التي اعتدت أولا على خولة. كثر القيل والقال وأصبحنا أمام مسلسل تافه بين الذي يساند هذه والذي يساند تلك ولم ينقصنا سوى اللجوء إلى تحكيم أممي.
ثالثة الحوادث جاءت من القنيطرة هذه المرة. سيدة كانت تبيع أطعمة في الشارع العام منذ سنوات، طلب منها أعوان السلطة إخلاء المكان. رفضت فحجزوا بضاعتها. جاءت للمقاطعة لتتظلم عند القائد، فلم تجد أي استجابة بل تم التعامل معها بجفاء وإهمال. أحست بالحكرة فصبت عليها مادة سريعة الإشتعال وأضرمت النار في جسدها لتفارق الحياة.
لنتمعن الآن في هذه «الكسايد». إنها تجمل ما نحن عليه اليوم في المجتمع المغربي: أولا، غياب التربية المدنية، هذا ما تظهره حكاية دنيا وخولة. كلنا يعرف جيدا بأن قضاء الأغراض الإدارية في مجمل الإدارات في البلاد تعرف ممارسات تفضيل أناس على آخرين إما لجاههم أو لنفوذهم أو لمالهم. هنا تنتفي مسألة المساواة ويظهر التمييز بكل تجلياته. ثانيا، تخلف الإدارة حيث إن إجراءات الحصول على وثائق بسيطة يتطلب ضياع وقت كبير وانتظار مقرف. زيادة على تردي الخدمات وبطئها مما يفرخ ظواهر تكرس الدونية والتخلف واللامساواة.
أما حكاية القائد فهي إنما جعلتنا نتحدث عن أشياء يعرفها الجميع في علاقة السلطات بالمواطنين. هناك الرشوة المستشرية في مجال البناء والبناء العشوائي على الخصوص. هناك أيضا استغلال النفوذ واستغفال الناس والشطط الذي قد يتم تفاديه بالمال أو بالجنس أو بأشياء أخرى.
أما الحكاية الثالثة فهي كارثة بمعنى الكلمة وتبرز الهوة العميقة بين السلطة ومصالح الناس. سلطات القنيطرة كان كل همها هو تحرير الملك العام لطارئ. لكن لا يهمها أن تجد حلا لسيدة كل مصدر رزقها من تلك «الكروسة» التي تقدم فوقها البغرير والمسمن للناس.
لنر وجهنا الآن في المرآة: غياب التربية المدنية. التمييز وغياب المساواة. فساد الإدارة وتخلفها. شطط وتسلط وحكرة وعلاقات مشبوهة واشتغال ارتجالي من طرف السلطات وغيرها.
ألا نرى أنه وجه مقرف وأكثر من بشع؟
حكيم بلمداحي