ارتعبت الفتيات الصغيرات اللائي يخرجن كل سبت أو أحد لكي يطالبن بالديمقراطية للمغاربة، حين قال لهم العدليون أو السلفيون أو اللاأدري من هم نهاية الأسبوع الماضي إنهن “عاهرات”. أحست الناشطات _ هكذا يسميهم الإعلام في تغطياته _ بشيء ما يشبه “الحكرة” أو الخدعة بعد أسابيع طويلة من “النضال المشترك” مع الإخوة في العدل والإحسان، وبعد كل هذه الشعارات التي تمت صياغتها في الجموع العامة، وبعد كل التوصيات المباركة من الطرفين بأن التناقض الرئيسي هو مع النظام وبأنه من الممكن التحالف اليوم على أساس أن يعود كل طرف إلى موقعه بعد أن يتحقق المراد.
قلن لمن يريد سماعهن إن “صدمتهن كانت كبيرة في العدليين”. رددن العبارات اللائي سمعنها يوم السبت أو الأحد، “العاهرات، العريانات، سيري دخلي لداركم، سيري بعدي مني”، ذهبن إلى كل وسائل الإعلام التي تريد نشر شكاويهن من هذا التحرش اللفظي. قلن كلاما غاضبا للغاية وكبيرا للغاية عن ضرورة الجلوس في مكان ما لتصفية الأجواء ولمعرفة حقيقة هذه الألفاظ التي سمعنها، وقلن إنهن سيلجأن لقيادات العدل والإحسان لكي ترد عليهن بشكل واضح وتقول لهن إن كانت هي الأخرى تعتبرهن عاهرات وكافرات أم أن الأمر مجرد تجديف ذاتي من منتمين للجماعة سئموا في لحظة من اللحظات تمثيل دور الراضي بالقدر، والمتقبل لوجود “الكسايا العرايا” قربه يرددن معه نفس الشعار ويرددن معه نفس الهدف فقرر “الخروج لها كود أو نيشان”.
نطمئنهن من الآن، دونما حاجة للإنصات لصوت القيادة العدلية: ما قاله المتعاطفون والأنصار هو ما تعتقده القيادة أيضا، والكلمات على قسوتها تعبر فقط عن التناقض الكبير الذي لم نفهمه نحن يوما، وظللنا نقولها إلى أن بح صوتنا، رغم أن الأصدقاء من العشرينيين الحقيقيين قالوا لنا إننا نلعب فقط لعبة المخزن من خلال كل الكلام الذي قلناه. صحنا فيهم “هل تعرفون مع من تتحالفون اليوم في الشارع؟” لم يجيبوا. فضلوا أن يقولوا إن “العدل والإحسان مجرد مكون من مكونات الحركة”. قلنا لهم “هل تعرفون تاريخ البلد؟ وهل تعرفون تاريخ هذه الحركة مع تاريخ هذا البلد؟” أجابونا بصمت خطير، وقالوا “نحن صغار على معرفة كثير من الأشياء. اليوم نحن نريد الحرية فقط”.
قلنا لهم “هل تعرفون أن أعداء الحرية لا يمكن أبدا أن يطالبوا صادقين بالحرية؟” أجابونا بالاستهزاء، وقالوا “أنتم تريدون إيقاف مسيرة نضال الشعب المغربي”. قلنا لهم ولهن “الله يهديكم، نحن نريد الحرية الحقة، لا الحرية التي تطالب بإسقاط الاستبداد لكي تغيره باستبداد أفظع منه”. اتهمونا بالتحذلق في الكلمات، ورفضوا تماما أن يسمعوا أي حديث آخر. صموا الأذان عن كل الكلمات والتعابير، وذهبوا لكي يشحدوا الشعار بعد الشعار اعتقادا منهم أن الحرية من الممكن أن تأتي بتوحيد الشعارات وباكتراء مكبرات الصوت والهوندات من المحل الواحد بغض النظر عن الاختلافات الكبيرة التي قد تدفع المجتمعات إلى الاقتتال في كثير من الأحيان.
اليوم هم يقولون إنهم يحسون بالخطأ. يدركون حجم وفداحة “الفالطة”، ويكادون يعترفون أن الأوان قد فات لكي يراجعوا كثيرا من الأشياء. نقول لهم مجددا: لاشيء ضاع. الحلم المغربي لازال على عذريته الأولى. لا دماء عكرت صفو النضال من أجله، ولا قتل ولا عنف ووجهت به المطالب. النظام _ عكس ما يردده مريدو الدروشة والقومة الكاذبة_ تعامل بشكل عقلاني مع الأشياء، ومنح كثيرا من الفرص للمياه لكي تمر من كل الاتجاهات. يكفي أن يمتلك الشباب ما يكفي من الذكاء في هذه اللحظة لكي يمسكوا بزمام المبادرة كلها.
من الحرام أن نترك عباس الفاسي وحده في الساحة. من العيب أن يبقى الراضي واليازغي وأحرضان والقادري وهذه الوجوه التي نعرف أنها غير قادرة على شيء تتحكم في المشهد السياسي المغربي، تقترح نفسها علينا قسرا بديلا بعد بديل، ونحن نعرف أن لا أحد فيهم يملك شرعية الحديث باسم الشعب، ونحن نؤمن أن الشباب قادر على اقتراح نخبته الفعلية، ونعرف أن ملك البلاد يريد أن يسود مع هؤلاء، وأن يحكم رفقتهم المغرب الحالي، المغرب القادم.
هذه اللحظة التي اعترف فيها العدليون أنهم لا يرون في الصبايا القادرات على الصراخ بالحلم المغربي إلا “عاهرات عريانات” هي لحظة تصلح لتوضيح كثير من الأشياء. لكي نعيد لعشرين فبراير ألقها الأول قبل أن تصبح داكنة اللون ظلاميته، لكي يكون للمطالبة بالحرية للناس بعض المعنى، لا الهباء الذي يقترحه أعداء الحرية وهم يرفعون الشعارات التي لا يؤمنون بأي حرف منها.