مخطئ من يعتقد أن جماعة العدل والإحسان تهتم ببناء دولة ديمقراطية يحتكم فيها للمؤسسات، ومخطئ من يقول اليوم إن الجماعة يهمها الاختيار الديمقراطي الذي ارتضاه المغاربة بموجب دستور 2011. هذا ما تؤكده التصريحات الأخيرة لمحمد العبادي، الأمين العام لجماعة العدل والإحسان حول 'وهم' جماعته بتحقيق الخلافة من أرض إمارة المؤمنين. وهذا ما يجب الانتباه إليه من طرف الفاعلين السياسيين نظرا لخطورة جماعة العدل والإحسان، خصوصا تلك التنظيمات اليسارية التي تنظر اليها باعتبارها 'شريكا استراتيجيا" لإقامة نظام ديمقراطي.
إن تصريحات العبادي حول الخلافة تظهر ما ينتظر مخالفيها من عقوبات تصل إلى قطع الرقبة، بالاعتماد على تأويلات متعسفة للنص القرآني، ولا تأخذ بعين الاعتبار أن المغاربة يبايعون جلالة الملك باعتباره أميرا للمؤمنين وممثلا أعلى للسلطة الدينية في البلاد وهذا ما يثير حنق جماعة ياسين.
إن تصريحات العبادي تفضح ايضا الوجه البشع والعنيف لجماعة العدل والإحسان وموقفها من الديمقراطية. طبعا المتتبعون الحقيقيون للفعل السياسي بالبلاد يدركون جيدا أن العنف ليس جديدا على جماعة عبد السلام ياسين. يكفي العودة ببضع سنين فقط إلى الوراء لكي نتأكد من هذه الحقيقة. في بداية تسعينيات القرن الماضي قام 12 عدلاويا بقتل وتشويه جثة طالب يساري بوجدة اسمه المعطي بوملي، فقط لأنه اختلف مع مريدي الشيخ في التوجه السياسي، وهي جريمة بشعة 'ترقى' الى ما تقترفه داعش اليوم من جرائم إرهابية. لا ننسى أيضا أن جريمة اغتيال الطالب الجامعي بنعيسى ايت الجيد أدين فيها طالب سابق قيادي في الجماعة يدعى عمر محب.
ما يتناساه أيضا بعض الفاعلين السياسيين الذين يمنحون فرصة للجماعة من أجل التطبيع مع فصائل المشهد الحزبي، أن الجماعة لا تؤمن بالفلسفة التي تقوم عليها الديمقراطية ويعتبرونها فقط آلية من ضمن آليات توصلهم إلى السلطة وهذا وارد بشكل واضح في كتب الراحل عبد السلام ياسين (كتاب العدل نموذجا).
لا ينفك قياديو الجماعة من التذكير بأن المشاركة في أي انتخابات لا تعدو أن تكون سوى اختيارا تكتيكيا من أجل هدف بعيد المدى اسمه "القومة" التي على أنقاضها سوف يتأسس نظام سياسي جديد لا مكان فيه لكل المختلفين مع الجماعة، وبطبيعة الحال حتى هذه التيارات اليسارية الراديكالية التي تتحالف معهم.
إن الضبابية التي تسود الخط السياسي للجماعة، الذي يتبناه قياديو التنظيم، يكمن المراد منه هنا، أي أن مريدي الجماعة لا يرغبون في إقامة نظام ديمقراطي ولكن نظام ثيوقراطي ديكتاتوري بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هذا ما يؤكده بشكل واضح الراحل عبد السلام ياسين في مؤلفه المنهاج من خلال قوله بأن 'حقيقة التمكين في الأرض أن تكون الدولة والسلطان بيد رجال الدعوة الساهرين على الدين'.
لقد راهنت جماعة العدل والإحسان على حركة 20 فبراير بعملها على تغيير مطالبها ومسارها والعمل على تحويل شعارها بمحاربة الفساد إلى المطالبة بإسقاط النظام، وهو الأمر الذي فشلت فيه وفرض عليها الانسحاب من الحركة وجعلها بعد وفاة مؤسسها في وضع لا تحسد عليه.
ورغم محاولاتها المتكررة بأن تظهر بمظهر الجماعة المسالمة وتحاول تطبيع علاقتها مع الفاعلين في المشهد السياسي، إلا أنها فشلت في ذلك لأن نيتها غير سليمة ولا تستطيع أبدا التخلي عن ما راكمته من أدبيات أسس لها الراحل عبد السلام ياسين، وهي تعرف قبل غيرها أنه لا حل أمامها سوى الدخول إلى خانة الشرعية القانونية مثلها مثل باقي الفاعلين السياسيين وإلا فإنها ستبقى على هامش الفعل السياسي في البلاد إلى أن تندثر نهائيا.
بقلم: سامي المغربي