هذه الأيام عاد ملف الصحراء المغربية إلى واجهة الأحداث الدولية، وذلك بسبب هذيان الأمين العام للأمم المتحدة السيد"بان كيمون"، حيث أدلى بتصريح مستفز حول ملف يعتبره المغاربة قضية وجود لا حدود، حيث قال أثناء زيارته للمنطقة:".. أن الصحراء الغربية محتلة.."، ممتاز هدا هو الحياد كما يفهمه السيد "كيمون"، يصدق فيه المثل المغربي" لفقيه اللى نتسناو بركة دخل لجامع بلغتو"، هذا الكلام لو قاله سياسي مرتزق من الداخل أو الخارج لدخل في مناورات الخصوم، لكن أن يأتي من رئيس منظمة أممية كبرى تمثل سكان الأرض، فهذا إنذار لا بد أن نستعد للأسوأ منه وأن نأخذ الأمر بجد، لهذا يجب إشراك الشعب المغربي في هذا الملف الحساس، و ذلك من خلال إعلام جاد وثقافة تاريخية تعود بالأمور إلى جذورها، مع زرع الروح الوطنية الصادقة وتعميقها وتجديد الوعي التاريخي عند المغاربة، فالخروج في تظاهرة وطنية حاشدة أمر مهم لكنه غير كافي مع الأسف، فالقضية تبدأ بعد انفضاض المظاهرة وذلك بتفعيل دور الشباب و الثقافة مع إشراك الجامعات والمدارس، ثم يأتي دور الإعلام سواء الشاشة الكبرى أوالصغرى وكذا البرامج الوثائقية الجادة، فهذه الإجراءات تساهم في إيجاد شعب واعي بتاريخه وجغرافيته، لأن الشغب المثقف خير من الجاهل الذي يسهل خداعه بطرق يثقبنها خصوم وحدثنا.
المغرب كبلد إفريقي له جذور تاريخية ضاربة في عمق القارة السمراء، وهذا يعرفه القاصي والداني ولا يحتاج إلى تأكيد، لكن مشكل الصحراء المغربية بدأ مع دخول الاستعمار إلى القارة الإفريقية، والمقصود هنا هو الاستعمارين الفرنسي والإسباني واحتلالهما لشمال القارة، فالجزائر احتلتها فرنسا بعد تذرعها بحادثة "ضربة المروحة" سنة، 1830 ولم تتحرر إلا بعد مرور قرن و30سنة أي بالضبط سنة 1962، وطول زمن الإحتلال للجزائر خلق واقعا جديدا على الأرض كما سنفصل في ذلك.
إن الإحتلال الفرنسي للجزائر كان غريبا في حد ذاته، فالإستعمار في العادة يعتبر الأرض المحتلة غريبة عنه وهو لا محالة سوف يرحل عنها مكرها، إلا الإحتلال الصهيوني لفلسطين الذي اعتبرها أرض"موعودة" وهذا موضوع آخر، والإستعمار الفرنسي للجزائر حيث اعتبرها مجرد ضفة أخرى لفرنسا، وحسب هذا التفسير ففرنسا ابتلعت الجزائر جغرافيا، وبذلك عبرت البحر المتوسط ودخلت إفريقيا، لقد ركزنا على هذا الأمر لنفهم تصرف فرنسا مع جيران الجزائر المحتلة آنذاك، لقد سعت فرنسا بعد تمكنها من بسط سيطرتها على الجزائرإلى الانتشار شرقا وغربا، وبذلك تمكنت من زيادة أراضيها على حساب الجيران، فكان التراب المغربي منتهكا واستطاع المستعمر الفرنسي ضم الصحراء الشرقية الغنية بالبترول، فهذه الأراضي الشاسعة المقتطعة من الأراضي المغربية غصبا اعتبرتها فرنسا جزأ من أراضيها، وذلك حسب تفسيرها الذي يعتبر أرض الجزائر هي مجرد ضفة أخرى لفرنسا وتكملة لأراضيها المتواجدة بالقارة السمراء، إنه أمر عجيب فأرض المغرب أصبحت مجرد مجال لتمدد الأراضي الفرنسية "إيوا قولوا باز".
ثم جاء دو المغرب ففي يوم 30 مارس 1912 وقع السلطان مولاي عبد الحفيظ معاهدة الحماية مع فرنسا، وفي سنة 1956 حصل المغرب على استقلاله، والجزائر لازالت محتلة في ذلك الحين لكن اشتعال نار المقاومة الوطنية أرغم فرنسا على الدخول في مساومة مع المغفور له محمد الخامس، فالجهة الشرقية من المغرب كانت تحتضن المقاومة الجزائرية، وتحث ضربات المقاومة الجزائرية اضطرت فرنسا إلى مفاوضة المغرب على الأراضي التي اقتطعتها فرنسا من المغرب ظلما وعدوانا، فكان طرحها هكذا تقبل فرنسا بترسيم الحدود مع المغرب وإعادتها كما كانت قبل الإحتلال، ببساطة عودة الصحراء الشرقية للمغرب كما كانت، مقابل تعهد المغرب بغلق حدوده مع الجزائر ومنع تنقل المقاومين و تزودهم بالسلاح داخل المغرب، لكن السلطان محمد الخامس رحمه الله رفض القيام بدور شرطي الحدود أو"التنسيق" الأمني مع الإحتلال... وقال لفرنسا:"..سنحل مشاكلنا مع أشقائنا بعد استقلالهم.."
... بعد استقلال "الأشقاء" فبدل إرجاعهم ما سرقه الإستعمار الفرنسي من أراضي مغربية احتلوا مزيدا من الأراضي، لا بل ساندوا مغاربة وأمدوهم بالسلاح والدعم السياسي من أجل الإنفصال، وكل ذلك لثني المغرب عن المطالبة بالصحراء الشرقية، وإيجاد منفذ بحري على المحيط الأطلسي. ومن سابع المستحيلات أن يرضخ المغرب لهذا الابتزاز. وما ضاع حق وراءه مقاوم.
مسرور المراكشي