عادت قناة “كنال بلوس” إلى ماوقع لها في بني ملال مع السلطات المغربية، وقدمت يوم الإثنين ضمن فقرة برنامجها الساخر “لوبتي جورنال” – وهو برنامج مشاهد بكثرة هنا في المغرب دليلا على عديد الأشياء التي لا داعي لذكرها عن تلفزيوننا الكسيح – روايتها للأحداث ولمحاولتها تصوير روبرتاج دون ترخيص عن واقعة الاعتداء على مثليين في بني ملال، ثم ذهبت إلى الرباط وقدمت حوارا مؤثرا للغاية مع شبان مغاربة مختلفين، كل ذنبهم في الحياة هو أن ميولهم الجنسية لا تلائم الذوق العام، بل ضمنهم شاب يتحدث مثل امرأة ولديه جسد امرأة ووجد نفسه ملزما بالعيش متخفيا لئلا يقتل أو يسجن.
في هاته النازلة لابد من التنويه وبقوة وبحرارة بموقف السلطات المغربية التي منعت طاقم البرنامج الفرنسي من تصوير روبرتاجه دون ترخيص. هذا بلد له سيادة أولا وله قانون، وإذا كان “لوبتي جورنال” قد ألف أن يحمل كاميراته وعتاده ويتجه إلى البرازيل لكي يصور فافيلاتتها أو إلى سيراليون لكي يصور قتلاها أو إلى كردستان لكي يصور كوباني وتحريرها فالأمر مختلف تماما في المغرب.
لسنا ولن نكون أبدا منطقة قتال بحمد الله يتسلل إليها طاقم تلفزيوني متخفيا، ولسنا بلدا مستباحا لاقانون فيه، ولمن يقولون لنا “كان من الأفضل تركهم يصورون” نقول “جربوا يوما أن تحملوا كاميرا وأن تمارسوا الصحافة في فرنسا دون أن تخبروا السلطات الفرنسية بذلك وحينها سنتحدث”.
لذلك ومن هذه الناحية الموضوع مقفل وانتهى، وبرافو لمن اتخذ قرار المنع بطريقة قانونية، بعد أن سأل عن الترخيص وبعد أن اعترف له الفرنسيون بعظمة لسانهم وفي الروبرتاج أنهم لا يتوفرون عليه.
نأتي الآن إلى أس الإشكال وإلى صلب الموضوع وإلى محور النقاش كله: هذا التعامل الهمجي مع المثليين أو المختلفين جنسيا هل هو الحل؟
سجن أناس فقط لأنهم يتصرفون بطريقة مختلفة في أجسادهم هل هو تصرف حضاري؟
الحكم عليهم بستة أشهر إلى ثلاثة سنوات سجنا هل هو العلاج لما يعتبره هذا المجتمع المريض مرضا ؟
تهييج العوام عليهم وكتابة شيوخ التطرف مثل الريسوني وغيره “تكييف المغرب عبر الكيف وعبر كيف كيف” هل هو التعامل العاقل الناضج؟
هل نقضي على المثلية الجنسية، تلك التي يسميها المتطرفون الأغبياء “شذوذا جنسيا” فقط بالهمجية أو بالأحكام غير المقبولة تماما والتي لا تتلاءم مع العقل؟
أم ترى هذه المثلية قادرة على العيش مع الإنسان، بل ومع كائنات أخرى منذ بداية الحياة على هاته الأرض والكل يعرف ذلك وستظل؟
طبعا من حقنا أن نختار الجواب الذي نريد، وإذا كنا نعتبر أنه بسحل المثليين جنسيا أو باعتقالهم أو بإرسالهم إلى المستشفيات “للعلاج مما نعتبره مرضا” سنقضي على المثلية الجنسية ف «هاليلويا » فعلا ونحن سنكون أول من سيصفق، بل سنشرع في الزغردة والرقص.
لكن المشكل ليس بسيطا إلى حد هذا الغباء. المشكل معقد فعلا. هناك قضايا مجتمعية تبدو لنا بسيطة وعادية وغير قادرة على أن تحرك شيئا، هي التي تخلق في النهاية المشاكل كلها، وهي التي تحرك الجموع وهي التي تقودنا إما نحو طريق الحضارة لو أدركنا طريقة ما متحضرة للتعامل معها، أو تقودنا إلى طريق الهجوم على منازل بعضنا البعض وإعمال منطق السيبة، والاعتداء على ممتلكات وحياة الأفراد إذا ما اخترنا سبيل المتطرفين ومنغلقي العقول والقلوب.
لنفكر مليا فيما وقع، لنفكر عقلنا وليس بأي عضو آخر، فالموضوع يستحق التفكير حقا.
أقول لنفكر وأعرف أنني متفائل أكثر من الحد المسموح به، أصلا من لازال منا قادرا على ارتكاب هاته الزلة الجميلة المسماة التفكير؟ من؟
بقلم: المختار لغزيوي