قال الباحث المالي المختص في القضايا الإفريقيّة والأوروبيّة بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانيّة حمدي جوارا في حديث لـ«المغرب» أنّ القارة الإفريقية تواجه ‹وباء الإرهاب› وتقف على حافّة تحالف قريب بين التنظيمات المتطرّفة الموجودة في شمال إفريقيا وغيرها من التنظيمات الموجودة في الساحل الإفريقي ، ممّا يجعل المشهد الأمني والسياسي في دولها على حافة الانفجار.
• لو تقدمون لنا قراءتكم للمشهد الراهن الذي تعيشه القارّة الإفريقية مابعد 2011 والتغيرات التي طرأت عليها؟
عام 2011 م كان عامّا مفصليا في تاريخ العالم الثالث وخاصة في دول ما يسمى بالربيع العربي، والذي جاء في فترة يقظة شعبية وإدراك جماهيري أن الأوضاع تحتاج إلى تغيير جذري ، وأول الشعوب التي أطلقت شرارة التغيير شعب تونس الذي ألهم الكثير من الشعوب وأصبح العالم ولأول مرة يختار الفضاء الافتراضي كأداة للتغيير حتى إن مهندسي هذه الشبكات الاجتماعية لم يتوقعوا هذا الإقبال الشديد والشغف إلى التغيير والدعوة إلى الاحتجاج السلمي ، ومنذ تلك الفترة والعالم في تغيّر مستمر لا أقول نحو الأسوإ ، كما يذهب أو يرى الكثير إنما كشفت هذه السنوات الأمراض التي كنا مصابين بها في الفترات التي سبقت أن حكمنا فيها حكّام لم يحسبوا لشعوبهم ألف حساب .
• لو تفسرون لنا المشهد السياسي والأمني في مالي ؟
الوضع في مالي إلى تطوّر مستمر فمنذ اندلاع الربيع العربي الذي أسفر عن مقتل القذافي وهجرة بعض القبائل المالية التي كانت تسكن في ليبيا(الطوارق) ، واستغلال البعض للسلاح الذي أتوا به لتقسيم البلد والانفصال ظهرت مطالب سياسية مشروعة يمكن المطالبة بها سلميا كما هو معروف في أبجديات العمل الديمقراطي فعندما قرّر الشعب التونسي التغيير لم يحتكم ابناؤه إلى السلاح والبندقية لإسقاط النظام مثلا وكذلك الحال في مصر ، وحتى الدول التي تحوّلت إلى ميادين للقتال إنما كان السبب هو الاضطرار -بدون أي مبرر لها طبعا – فكنت أفضل لإخواننا الطوارق الذين طردهم الليبيون أن يرجعوا إلى بلدهم دون أي نوايا انفصالية ، علما أن كل ذلك تمّ من قبل القلة القليلة واستغلال للبسطاء بينما كان قادتهم يرقدون في أفخم الفنادق في وغادودغو في بوركينا فاسو وفي باريس بفرنسا.
• هناك حديث أن تلك الفترة رافقها ظهور تحالف بين الانفصاليين و»القاعدة» ممّا زاد من حدّة الصراع ، هل هذا صحيح ؟
هي نقطة مهمّة ، وهي أن الانفصاليين تحالفوا مع ‹القاعدة› لطرد الجيش المالي الضعيف وغير المؤهل وتم أخذهم الى كبرى مدن الشمال وهي: تومبكتو المعروفة، وغاوو الإقليم الأكبر في نسبة السكان ،وأخيرا مدينة كيدال التي أصبحت اليوم كعاصمة سياسية للمتمردين ، لكن سرعان ما انتهى هذا التحالف حين أعلن الانفصاليون اتجاههم العلماني بينما كانت «القاعدة» بتنظيماتها المختلفة تريد تطبيق الشريعة ، فطردوا العلمانيين وحاصروهم حتى في مدينة كيدال .وبعد فترة تدخّلت فرنسا تحت مسمى محاربة الإرهاب ،وتم طرد «القاعدة» من المدينة بدعم من الجيش المالي وقوات التحالف ، وبقي الآخرون في كيدال لأنهم هم الذين يؤمنون بالتوجّه العلماني والذي يمثلهم بالأساس /الحركة الوطنية لتحرير أزواد والتي تحولت بعد ذلك إلى منسقية التحالف الأزوادي /بعد ذلك حصلت مفاوضات ونقاشات لحلّ الخلاف بين هؤلاء مع الحكومة المركزية عبر وساطة الجزائر الّتي لعبت دورا هاما توج بإبرام اتفاقية في جوان 2015 ، وأعتقد أنّ هناك فرصة هذه المرة للتوصل إلى حلول لكل المشاكل التي حدثت منذ القديم لكن الحساسيّات موجودة ويحتاج إنهاؤها إلى وقت وحتّى ذلك الوقت قد تتمّ هناك مناوشات وتحرشات من هذا الطّرف أو ذاك ، علما أنّ العدوّ المشترك لدى الجميع في مالي هو «القاعدة» وأذيالها.
• كيف كانت تأثيرات كل ذلك على الوضع السياسي والأمني في باماكو؟
التأثيرات واضحة رغم أن الوضع المرتبك للبلد وخاصة في الشمال إلاّ انه ينبغي أن نعترف أن انقلابا عسكريا حدث في مارس 2012 مما خلط الأوراق وتم بعد اقتياد البلد في فترة انتقالية قياسية بعد الرفض الدولي للانقلاب العسكري ، وتمت انتخابات برلمانية ورئاسية في ظل هذا الوضع السوداوي وأسفرت عن انتخاب/إبراهيم بوبكر كيتا ، في ذلك الوقت مالي خرجت من عنق الزجاجة، وأصبح الوضع أفضل حينها ، حيث تجاوزت البلاد كل التوقعات التي كانت تعتقد أن مالي انتهت إلى الأبد ، بالتالي يمكن القول أن «مالي» تجاوزت مرحلة سوداء في تاريخها ، طبعا بدعم إقليمي ودولي .
سياسيّا، الأمور في تقدّم ملحوظ في إدارة الحكم والحوار والمصالحة على قدم وساق وإن كنت أرى شخصيا أن التقدّم يسير ببطء ، لكن هناك تأسيس أو محاولة لإعادة الثقة بين الأطراف وفي هذا اليوم الراهن هناك مؤتمر أو منتدى مصارحة في مدينة كيدال بين بعض الأطّراف التي لها علاقة مباشرة بالوضع في الشمال وهذه خطوة مهمّة نحو تطبيق الاتفاقيّة ، والوضع الاقتصادي في ارتفاع حسب آخر التقارير وأعتقد أن المواطن المالي بدأ يشعر بنوع من الانفراج السياسي والاقتصادي الذي يستوجب طبعا أن يستمر للفترة القادمة .
أما أمنيّا ، فإن الوضع متذبذب ، لكن ما حدث في فندق راديسون في 20 نوفمبر الماضي كان صدمة ،وحتى الذي حدث في بوركينافاسو ومنذ أيام قلائل تمّ ضرب ضاحية باسام الايفوارية كل هذه الأسباب تجعلنا نقلق حقيقة من تطور الأوضاع ليس في مالي فقط وإنما في منطقة الساحل ككلّ .
• ما تقيمكم لدور بعض الدول الغربية في القارة الإفريقيّة ، وهل صحيح أنها لاتزال تعتبر الدول الإفريقية مستعمرات لديها؟
كثيرا ما يحاول المحللون أو ربّما المنظّرون أن يخلطوا الأوراق في هذه المسألة عندما تتدخل فرنسا مثلا في مستعمراتها السابقة وخاصة في ظل تردّ أمني في هذا البلد أو ذاك ..الحقبة الاستعمارية انتهت.. هناك دول ذات سيادة معروفة بحدودها وسلطتها ومؤسّساتها المختلفة فمن الغريب جدا القول إن المستعمر ما زال يتحكّم ، لا أنكر وجود مصالح استعماريّة لكن عندما تدخلت فرنسا في 2010 في كوت ديفوار ، تدخلت بعد رفض المعارض وقتها/لوران باغبو بنتائج الانتخابات الرئاسية والتي تمت بإشراف دولي شهد له العالم ، فتمّ تدخل فرنسا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا دولة كادت تنهار بعد حرب دامت العشر سنوات وحتى ذلك بطلب من الرئيس الفائز ...
في أزمة مالي 2013 مثلا تدخلت فرنسا بطلب من الرئيس الانتقالي وقتها /جونكودا تراوري بالتدخل لوقف المدّ التحالفي الذي جمع بين القوات الانفصالية والقاعدة حيث كادوا يصلون إلى أماكن لا تبعد عن أقاليم كبرى ، ، وهنا رأينا كثيرا من التنظيرات التي تذهب إلى أن فرنسا تدخلت لأنها تحارب الإسلام وتعادي العرب ورأينا فضائيات سوّقت هذه المعلومات علما أن الشعب المالي في غالبيته مسلم أصلا ، فأرى أن نخرج من هذه البوتقة التي لا يمكن أن تقف على أي أساس من المنطق، وهنا أقول: هل عندما طالبت السعودية والكويت بالتدخل في أواخر الثمانينات عندما احتلّ /صدام حسين الكويت ، هل اعتبرت أمريكا أن لها أطماعا استعمارية، وكذلك عندما تدخلت في ليبيا ؟ بل رأينا الفتاوي تخرج وتشجع على التدخل.
نعم فرنسا لديها أطماع سياسية ومصالح لكن علينا أن ندرك أن ما تقوم بها فرنسا من دعم سياسي وعسكري ومخابراتي ليس كله لأهداف استعمارية ، فعندما ضرب الإرهاب بوركينا فاسو وساحل العاج كانت فرنسا هي الدولة الوحيدة التي أرسلت قوات خاصة لمحاربة الإرهاب ، ولم نر أي دولة تقترح تقديم أي دعم من أية دولة عربية أو إسلامية أو أي انتماءات أخرى .
• لو تقدموا لنا أبرز التنظيمات المتطرّفة الموجودة في إفريقيا عامة ؟
نعم، التنظيمات كثيرة ولكن أخطرها الآن في رأيي تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» بالساحل وأذرعه المختلفة والتي تفرّعت عن «القاعدة» الأمّ،هناك المرابطون والذين تبنوا العمليتين الأخيرتين في باماكو ووغادوغو وهو تنظيم يرأسه الجزائري/المختار بلمختار ، وهناك حركة «أنصار الدين» والتي يتزعمها الدبلوماسي الطّارقي السابق/إياد أغالي والّذي له أياد خفية وعميقة في المنطقة ،وهناك دعوات من جهات مُختلفة إلى ضرورة الجلوس والحوار لانهاء الأزمة الأمنية وإن كُنت شخصيّا لا أرى ذلك لأنّه لا يمكن الجلوس مع من ساهم في تكدير السلم المجتمعي أيّا كان انتماؤه أورُتبته.
وهناك ‹بوكو حرام› فعلا في نيجيريا وهي أكثر هذه التّنظيمات تنكيلا وبشاعة ودمويّة لكن الواضح أنه منذ انتخاب رئيس نيجيريا الجديد/محمد بخاري أعتقد أنّ أصواتها خفتت نوعا ما ، وربما بسبب أنه كانت هناك ثغرة أمنية في الجيش النيجيري أو شيء ما وراء الكواليس ، علما ان بخاري أقال عقب توليه مباشرة الكثير من أركان الجيش.
أيضا من التنظيمات العنيفة والخطيرة في إفريقيا تنظيم «شباب المجاهدين» في القرن الإفريقي وفي الصومال بالتحديد ونحن نتذكر كيف كانوا يقومون بقرصنة السفن والبواخر في تحدّ سافر للعالم ، صحيح أن أصواتهم خفتت لكن ما زالوا يتعبون الدولة الصومالية والتي بدأت حقيقة تتعافى مرحليا من الحرب الأهلية .
هذه أبرز التنظيمات التي تصنع الحدث على الساحة الإفريقية والمعروفة وأكيد ان هناك ميليشيات في دول مختلفة لكن هذه التي ذكرت هي في بؤرة الاهتمام الإفريقي والدولي .
• هناك حديث عن إمكانيّة تحالف تنظيمات متطرّفة في الغرب الإفريقي «بوكو حرام» مع تنظيمات أخرى في شمال إفريقيا «داعش» ، كيف ستكون تأثيرات ذلك على امن واستقرار القارة الإفريقية؟
نعم هذه الفرضيات حقيقة وهي واقعة فعلا إذ يذكر الجميع كيف أعلن أبو بكر كيشوي ولاءه وبيعته للبغدادي في بداية إعلان «داعش» الارهابي بشكلها الحالي،وليس بالضّرورة أن يكون هناك تنسيق بينهما هذه الجماعات والّتي تُوجد في بلاد مثل سوريا والعراق ، ولكن بالنّسبة للمتواجدين في شمال إفريقيا تحت مسميات مختلفة، ربما هناك تنسيق أو تدريب عمليّاتي أو تعاون لوجستي بينها ،خاصة عندما نعلم أنّ هذه التنظيمات تمتلك القدرة السريعة على التحرك وتغيير مناطق النفوذ أو الصراع ، فعندما يتمّ اختناقها في سوريا مثلا ، يمكنها المجيء إلى ليبيا وإذا تم التضييق عليها هناك ستلجأ إلى مالي أو إلى النّيجر أو حتى موريتانيا وفي حال وصلت إلى ساحل العاج فهذا هو الخطر الكبير وهو ما سيجعل المنطقة على فوهة بركان.
• حسب رأيكم ماهي سبل مكافحة الإرهاب في إفريقيا وخاصّة الشّمال؟
يجب ان نذكر حقيقة مفادها أن الإرهاب والتشدد الديني لم يكونا موضة إفريقية إنما معظم هذه التنظيمات جاءت من دول الجوار وتمترست في السّاحل بعد التضييق عليها في دولها الأصلية ، أقصد مثلا /الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، ثم ما لبثت أن وجدت متنفّسا لها فعششت وفرخت وكبر أولادها إن صحّ التشبيه هنا ، وعندما تسألين عن حلول لمكافحة الإرهاب ففي اعتقادي ينبغي الاعتماد على الآتي:
الفكر يواجه بالفكر هؤلاء الذين ينضمون إلى هذه الجماعات أناس تمّ اختطافهم فكريا من قبل تأثيرات خطابية وأدبية تمّ توظيفها من أجل استقطاب هؤلاء.
يجب عدم الخلط أيضا بين الإرهاب والمطالب السياسيّة في أزمة مالي مثلا، وعلى من يطالبون بالحقّ السياسي أن يطالبوا سياسيا بحقوقهم وليس عبر التحالف مع ‘القاعدة’.
على هذه الدول المستهدفة في المنطقة أن تعمل من أجل الحفاظ على سلامة حدودها ومراقبتها وقبل ذلك سلامة المواطنين وأن تعمل في كل وقت ولحظة من أجل توفير أي شيء يدعم الاستقرار واستتباب الأمن ، لأنها هي المسؤولة عن ذلك قبل غيرها .
أرى ضرورة التعاون السياسي والعسكري بين دول المنطقة في كل دول إفريقيا وأعتقد أن دول الجناح المغاربي من إفريقيا يمكنها فعل الكثير في هذا الإطار وأن يتم إيجاد خطط أمنية وعسكرية محكمة من أجل القضاء على هذا الوباء الذي يلتهم الجميع بلا استثناء .
يجب على الخطاب الديني أن يتوجه إلى كل ما يدعم الاستقرار والأمن وأن يتم كشف الارهابيين وبيان زيف توجّههم ومسارهم ، ومقارعة الحجة بالحجة وأن تكون هناك منصات إعلاميّة كبرى تسوّق للفكر الوسطي الذي عرفناه وما زلنا نؤمن به إنّه هو الإسلام الذي ندين به .
هذا مع الاستفادة من الدول الغربية والمتقدّمة خاصّة أنّ لديها من الأدوات الاستخبارية والأمنية ما ليس لدينا وهذا لا يعني تكريسا للتبعية إنما استفادة من التجارب الأخرى .
وفاء العرفاوي.