أخطأ ابن كيران في التدبير الزمني لملف الأساتذة المتدربين حتى أوصله إلى كل هذا التعقيد الذي جعله قنبلة اجتماعية موقوته وحزاما ناسفا في خصر الأغلبية الحكومية.وبالغ رئيس الحكومة في رفض مقترحات الحلول التي ترد عليه لتسوية هذا الملف الذي صارت مظاهرات المعنيين به وردود فعل السلطات العمومية تجاهها عبئا ثقيلا على صورة المغرب الحقوقي.
والأكيد أن ابن كيران أبان أيضا عن حساسية مفرطة تجاه أي وساطة تأتيه من خارج الحكومة، خصوصا حين يكون مصدرها إدريس لشكر وإلياس العماري، إنه لا يريد أن ينسب إليهما شرف النجاح في ما فشل فيه هو ووزير داخليته،أما وزيره في التربية الوطنية فقد رفع يديه عن الملف منبكرا.
ومهما كانت نوايا إدريس لشكر وإلياس العماري طيبة، إلا أنهما أضفيا على الملف كثيرا من السياسة والحسابات الحزبية، وحتى إن فشلا في تحقيق مردودية انتخابية من وراء 10 آلاف أستاذ متدرب إلا أنهما نجحا معا في جعل التضامن الحكومي وانسجام الأغلبية يهتزان بقوة على بعد أشهر قليلة من انتخابات اسابع من أكتوبر، وهذا واحد من حسابات ورهانات التكتيك الإنتخابي.
لكن ابن كيران لم يجانب الصواب حين رفض بشدة أن تقتحم أحزاب المعارضة دائرة السلطات التنفيذية التي يسندها له الدستور على سبيل الحصر، وكان مصيبا أكثر حين رد بقوة على وزيره في الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد ، فبعيدا عن الخلفيات السياسية والمنطق الاجتماعي والإنساني، كانت هيبة وسلطات رئاسة الحكومة في الميزان. إن ابن كيران ، ومهما كان مخطئا في تدبيره لهذا الملف، جاء بتدخله هذا لينتصر للدستور والمؤسسات.
في أولى الخروقات، ليس من صلاحيات الفرق البرلمانية أن تراسل وزيرا في الحكومة دون المرور برئاسة الغرفة البرلمانية التي ينتمون إليها، وفي هذه بالذات يطرح السؤال حول ما إن كان القانون الداخلي لغرفتي البرلمان قانونا يجب الإنضباط لمقتضياته أم مجرد ديكور يمكن تجاوزه بمنطق المكاسب السياسية والحزبية.
وفي خرق مسطري ثان، ليس من صلاحيات الوزراء أن يتبادلوا المراسلات مع الفرق البرلمانية دون المرور برئاسة غرفتي البرلمان، أما حين يجيب وزير عن سؤال طرح عليه في أقل من ثمان وأربعين ساعة بينا يتجاهل أسئلة أخرى توجد فوق مكتبه منذ أسابيع، لا يصبح منطق الاستعجال مبررا كافيا بمنطق تقديم المشورة، فالوزراء ليسوا مستشارين في مكاتب الفرق هم يمثلون سلطة تنفيذية تربطهم بالبرلمان علاقات التشريع والمساءلة.
والظاهر أن وزير الاقتصاد والمالية لا يعرف معنى لمفهوم التضامن الحكومي، كان يعرف موقف الحكومة ورئيسها من هذا الملف، وكان عليه أن يلتزم بالموقف الذي عبرت عنه عقب اجتماعها الأسبوعي في بلاغ رسمي، أما أن يضع نفسه خارج الإتفاقات الملزمة للوزراء، ومهما كانت الغاية نبيلة، فهو تموقع غير ممكن إلا في حال اختار أن يقدم استقالته مثلما فعلت وزيرة العدل الفرنسية حين غادرت الحكومة بسبب عدم اتفاقها مع قانون تجريد المتهمين في قضايا الإرهاب من الجنسية الفرنسية.
وفي الواقع لم يخرج الوزير محمد بوسعيد عن السنة التي اعتاد عليها وزراء التجمع الوطني للأحرار الذين تعاقبوا على وزارة الاقتصاد والمالية، ولم يفعل بوسعيد غير ما كان يقوم به رئيسه في الحزب صلاح الدين مزوار مع الوزير الأول عباس الفاسي سنة 2007 وعلى مشارف نهاية الولاية الحكومية، في بيت عباس الفاسي كانت هناك توثرات الحوار الاجتماعي مع النقابات، لكن مزوار أصر على أن يقاطع الاجتماعات، يغلق هاتفه النقال ببساطة ويترك الوزير الأول يخاطب العلبة الصوتية.
والمشكلة أيضا ليست في بوسعيد كشخص، بل في نوعية من الوزراء صاروا يرون أنفسهم أكبر من أن يخضعوا لسلطة رئاسية حكومية، حكايات رشيد بلمختار في قطاع التربية الوطنية تجعله سوبر وزير، والعلاقة بين وزير الفلاحة عزيز أخنوش ومولاي حفيط العلمي وزير الصناعة والتجارة تخفي عن رئيس الحكومة تدبير ملفات لا يكتشفها إلا حين تنفجر في الصحافة، أما صلاح الدين مزوار فلا يرى في وزارة الخارجية غير كرسي احتياط قبل أن ينقض عن رئاسة الحكومة التي حلم بها في إطار تحالف G8 ولازال يمني بها النفس حتى وإن كان حزبه أبعد من أن يكون مرشحا للفوز بالانتخابات.
ولابن كيران نصيبه أيضا في كل هذه اللخبطة التي تجعل دستور 2011 مجرد أسطر في بياض الورق، رفع يديه عن قطاعات وزارية حتى لا يصطدم بمراكز الثقة فكان أن استقال من الإشراف على الولاة والعمال والأجهزة الأمنية، وشاح بوجهه عن العلاقات الديبلوماسية لأنها مجال خاص بالملك كما يقول، فلماذا لا يسير وزراء آخرون على نفس النهج وهم يرون القطاعات الحكومية توزع على الوزراء مثل قطع حلوى، كل طرف يريد نصيبه ولو كان ذلك على حساب الدستور وعلى حساب التضامن الحكومي.
بقلم يونس دافقير.