أصدر مجلس الأمن الدولي، الجمعة الماضية، قرارا بالاجماع يطالب بتسوية نزاع الصحراء بحيث يمكن لبعثة الأمم المتحدة هناك «استئناف عملها بشكل كامل»، في إشارة إلى أعضاء تلك البعثة الذين طردهم المغرب رداً على تصريح للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يصف علاقة المغرب بالصحراء بـ»الاحتلال».
يعتبر قرار الأمم المتحدة الدبلوماسيّ محاولة لإغلاق الباب الذي فتحه أمينها العام بان كي مون بعد زيارته لمخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف (الجزائر) والتي قام خلالها بوصف المغرب بـ«المحتلّ» للصحراء المغربية، وهو أحد أكثر المواقف السياسية حدّة (وغرابة) من شخص في مقام بان كي مون اشتهر، مع أسلافه من أمناء عامّين، باعتباره آلة أوتوماتيكية تكتفي بإبداء القلق على أي حدث يجري في العالم أيّا كان خطره على البشرية.
ما الذي دفع بان كي مون للخروج من حالة «القلق» الأبديّ في موضوع المغرب بالذات وهو الذي جال أنحاء العالم وشاهد أشكالاً هائلة من الكوارث والابادات، واذا اكتفينا بقارة آسيا التي جاء لتمثيلها، لبدأنا من بلاده نفسها (كوريا الجنوبية) المهددة بحرب نووية مع شقيقتها الجائعة (كوريا الشمالية)، وبورما التي تشهد تهجيرا يقرب للإبادة الممنهجة لسكانها من الروهينجا، وصولاً إلى العراق وسوريا الموصولين بنهرين وحربين طاحنتين هجّرتا شعبيهما وطحنتا بشرهما ومدنهما، وليس انتهاء بفلسطين المعلقة على صليب الاحتلال الاستيطاني الحقيقي الذي يسرق الأرض ويستقوي على سكانها ويعتبر كل مقاومة له إرهابا .
استقواء بان كي مون الغرائبي على المغرب انتهى، بقرار بارد لا يناصره ولا يغيّر شيئاً من المعادلة على الأرض، وهو ما دفعه، عبر الناطق باسمه ستيفان دوجاريك للأسف «لسوء الفهم والنتائج التي أوصل إليها هذا التعبير الشخصي عن القلق» (الذي أبداه رئيسه)، معتبراً أن استخدامه «لتلك الكلمة» (أي الاحتلال) «لم يكن مخططا له، كما لم يكن متعمدا، بل كان عفويا، ورد فعل شخصياً».
وهو تبرير شديد السخف، فالأمين العام للأمم المتحدة لا يملك ترف وصف وضعية معقدة كحالة المغرب في الصحراء بشكل عفوي وبدون تخطيط أو تعمد، كما أن منصبه ووضعه العالميّ لا يسمح له بردود الفعل الشخصية لأن هذه الردود، شخصية كانت أم غير شخصية، تترتب عليها مصائر وقد تفضي إلى استعصاءات سياسية خطيرة بينما المفترض أن يقوم الأمين العام بحلّ الأزمات لا بخلقها.
ويبدو أن صفعة مجلس الأمن لكي مون لم تدفعه لـ«القلق» كفاية كي يراجع أقواله بنفسه فدفع الناطق باسمه إلى ذلك التصريح الركيك، وركبته العزة بالإثم فرفض أن يعتذر بنفسه معتبرا أن «كل كلمة سأقولها الآن سيتم تحليلها بشكل لا يفيد»، وهو ما دفع وزارة خارجية المغرب للقول إن التصريحات و«الأفعال التي لا يمكن قبولها» للأمين العام للأمم المتحدة «تشكل خطرا غير مسبوق» و«غير مبرر ولا يمكن محوه».
غير أن ما يمكن استخلاصه من كل الحادثة المؤسفة التي نتوقع أن تعطي بان كي مون مؤونة كافية من «القلق» تدوم إلى فترة طويلة بعد انتهاء خدمته كأمين عام للأمم المتحدة، هي أن وقوف المغرب، ضدّ تصريحه الفجّ “بمقاييس تاريخية”، يمكن أن يعتبر درساً مهمّاً للعرب، الذين يتعرّضون لمظلومية غير مسبوقة، تريد اغفال مسؤولية القوى الكبرى، وتمثيلها النظري، الأمم المتحدة ومجلس الأمن، عن النكبات الكبرى التي نعيشها حاليا.