|
|
|
|
|
أضيف في 29 مارس 2016 الساعة 14 : 12
لكي تكون إرهابيا تطاردك كل مخابرات العالم التي ذبحتَ واختطفتَ مواطنيها، وخططتَ للاعتداء على مصالحها واستهداف أمنها واستقرارها، فتلك نياشين « فاسدة » تحتاج إلى استحقاقها خبرة كبيرة في مجال التطرف والإرهاب. لكن أن تكون إرهابيا يحمل كل التهم السابقة وفي نفس الوقت مدللا من طرف المخابرات الجزائرية فتلك مرتبة تحتاج لبلوغها أن يكون اسمك هو مختار بلمختار.
خالد أبوالعباس الذي التحق منذ الصغر بالجماعات الإرهابية عندما سافر إلى أفغانستان سنة 1991، كان مدير مدرسة هو من استقطبه للقتال في أفغانستان، ومن مكر الصدف أو دهاء الرعاة أن يقف في مستقبله الإرهابي وزير سابق ويفتح له باب الإرهاب على مصراعيه عندما عاد من أفغانستان والتحق بشمال النيجر.
في غرداية سنة 1972 رأى أبو العباس النور، هناك على مشارف الصحراء ترعرع وشغف بكرة القدم التي كان يتقاذفها مع رفاق الطفولة في وادي مزاب، قبل أن يصبح الرصاص لعبته المفضلة. ما كاد عوده يشتد حتى استقطبته جمعية مناصرة للقضية الأفغانية حينها، وهو يبلغ من العمر 18 سنة. خلال ملازمته لجمعية الاعتصام تعرض الشاب الفقير لعملية غسل دماغ رفقة عدد من أصدقائه، وقبل أن يكتمل العام على استقطابهم كانوا قد رحلوا عبر تونس إلى أفغانستان.
معكسر خلدن الذي مر منه الفرنسي أبوعبد الرحمان الذي كان يسعى لإقامة إمارة في المغرب، هو نفسه الذي تدرب فيه بلمختار على حمل السلاح وصنع المتفجرات وتفخيخ السيارات واستعمال كل الأذوات والوسائل التي تنتهي بالموت.
هناك التقى بكبار شيوخ التطرف الذين أثروا فيه وتشرب منهم فتاوى القتل الملبسة بالجهاد.
في 1993 وبعد أن أمضى قرابة سنتين في أفغانستان عاد بلمختار تاركا عينه اليسرى هناك، بعد تعرضه لإطلاق النار في إحدى المعارك التي خاضها، ليحمل منذ ذلك الحين لقب الأعور.
النذوب التي حملها معه من أفغانستان كانت كافية كي يلعب أدوارا أساسية في تشكل الجماعات المسلحة بالجزائر، فانضم إلى الجماعة الاسلامية المسلحة، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه لينفذ أبشع عملياته الدموية رفقة عدد من الإرهابيين باغتيال 14 عنصرا من عناصر التدخل السريع، فأصبح بذلك من أبرز المطاردين، وهو ما دفعه إلى السفر نحو النيجر في مهمة جديدة ستفتح له مسالك تهريب السلاح والسجائر التي أضافت له لقبا جديدا هو «السيد مارلبورو».
راكم الأعور تجارب عديدة، ليدخل مغامرة أخرى بعد تغيير اسم التنظيم إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال سنة 1996 حيث انخرط في سلسلة عمليات إرهابية ذهب ضحيتها العديد من المواطنين الجزائريين شمال البلاد، بالإضافة إلى عدد من الأوروبيين العاملين في شركة أمريكية للبترول. توالي العمليات التي يقودها بلمختار بعد أن أصبح أمير المنطقة الجنوبية دفع التنظيم إلى تكليفه بالاتصال بتنظيم القاعدة.
هنا بدأ الخلاف يذب في جماعته فتخلى عنه البعض وسلم البعض الآخر نفسه في إطار ميثاق السلم والمصالحة سنة 2001 ثم قتل عدد آخر.
لم يكن بلمختار يثق في أي شخص بما في ذلك المقربين منه، كان شخصا حذرا، وذلك ما جعله ينجو من العديد من العمليات التي استهدفت تنظيمه الذي رغم الضربات والملاحقات ورغم أحكام الإعدام التي راكمها خلفه تقوى ليصبح فرعا من فروع القاعدة التي كان يتزعمها أنذاك أسامة بن لادن الذي حمله ابن بلمختار اسمه، بل وحمل التنظيم اسم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي انطلاقا من سنة 2007.
سمة عدم الثقة لم تكن تفارقه حتى ولو تعلق الأمر بأقرب المقربين والدته التي سافرت رفقة أخيه الأصغر إلى النيجر للقاء به، لكنه ظل حذرا مخافة الوقوع في فخ ينصب له فآثر عدم اللقاء بها هو الذي لم يكن يبعد عنها سوى ببضعة كلمترات.
بعد الهجوم على الثكنة الموريتانية وقتل 18 عسكريا في المغيطي، أصبح اسم بلمختار أشهر من نار على علم، رغم أنه بقي في الظل ولم يخرج إلى العلن إلا في سنة 2012 حين ظهر على شريط فيديو واضعا على يساره سلاح كلاشينكوف وعلى يمينه الراية السوداء لتنظيم القاعدة. فيديو بلمختار لم يكن فقط من أجل تهديد المصالح الفرنسية، ولكن كان أيضا شهادة ميلاد جماعته الجديدة «الموقعون بالدم». فهذا الرجل الذي أمضى كل حياته في التهريب والإرهاب واختطاف الرهائن وجد نفسه مهمشا في تنظيم القاعدة الذي كان يتزعمه عبد المالك دروركال ويرتب عملياته العسكرية أبوزيد.
تنكر أبناء وطنه من الإرهابيين الجزائريين جعله يؤسس جماعته الجديدة المشكلة بالأساس من موريتانيين وماليين، وهو ما جعله يصبح واحدا من أغنى أغنياء الصحراء بعد عمليات اختطاف الرهائن التي قام بها وجنى وراءها الملايين من الدولارات.
هكذا سيصبح الأعور « رجل أعمال »، وواحدا من الأسماء اللامعة في مجال الإرهاب، فسعت مخابرات عدة دول لاعتقاله فيما سعت المخابرات الجزائرية للعمل معه تبعا لتوافقات تحكمها المصالح المشتركة.
قصة التعاقد بين الإرهاب والمخابرات بدأت بعد العملية المشتركة لبلمختار مع جماعة التوحيد والجهاد، التي تم على إثرها اختطاف ديبلوماسيين جزائريين في مالي، وهي العملية التي ستنتهي بالافراج عن المختطفين بعد مفاوضات مارطونية بإشراف مباشر من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.
تفاصيل هذه المفاوضات انكشفت قبل أيام لتفضح معها العلاقة التي ربطت طوال هذه السنوات بملختار بالمخابرات الجزائرية وفق اتفاق يرعى مصالح هذه الأخيرة، وهو ما كشفت عنه الوثائق الأمريكية التي سربها ويكيليكس، والتي تفضح الاتفاق بين السلطات الجزائرية مباشرة بعد أزمة الرهائن حيث أقنعت هذه الأخيرة بلمختار بعدم استهداف المصالح الجزائرية مقابل التركيز على مهاجمة المصالح المغربية في الصحراء.
وتضمنت المراسلات التي نشرها ويكيليكس ونسبها إلى مصادر مرتبطة بالاستخبارات الخارجية الجزائرية «قيام حكومة بوتفليقة بعقد تفاهم شديد السرية مع بلمختار بعد عملية اختطاف القنصل الجزائري بمدينة غاو (مالي) شهر أبريل 2012».
ويقول بلومانتال المستشار السابق للرئيس بيل كلينتون في رسالته الموجهة إلى وزيرة الخارجية الأمريكة، «تماشياً مع هذا الاتفاق يركز بلمختار في عملياته على مالي، وفي بعض الأحيان وبدعم من الاستخبارات الجزائرية الخارجية، يستهدف المصالح المغربية في الصحراء الغربية».
هكذا أصبح بلمختار الإرهابي الذي تطارده مخابرات العالم راعيا لمصالح المخابرات الجزائرية التي حرضته على استهداف المصالح المغربية، وهو ما يبدو جليا من خلال نشاط شبكات التجنيد الموالية للتنظيم ابتداء من سنة 2012 تزامنا مع اندلاع المواجهات في شمالي مالي.
هذه العلاقة الملغومة ستبدو جليا عندما أخل بلمختار بالاتفاق من خلال هجوم كتيبته على محطة عين أميناس لاستخراج الغاز، فثارت ثائرة القيادة العسكرية الجزائرية وتدخلت بقوة مفرطة قُتل بسببها العديد من الرهائن الأجانب، وهو التدخل الذي كان يبدو من خلاله أن النظام الجزائري لم يكن يسعى لتخليص الرهائن بقدر ما كان يبحث عن محو كل أثر قد يفضح تواطؤه مع الارهابيين الذين سعى إلى تدميرهم بعد أن وعدهم بالخروج سالمين فقضى عليهم وعلى الرهائن.
بالنسبة للنظام الجزائري بلمختار أصبح يساوي اليوم ضعف القيمة المالية المهمة التي خصصتها واشنطن لرأسه والمتمثلة في خمسة ملايين دولار، فقد أصبح هذا الإرهابي حاملا لأسرار أجهزة النظام في تجنيد الإرهابيين واستعمالهم كأوراق اللعب يقوم بترتيبها بدقة، لكن بملختار لم يعد تلك الورقة الرابحة بعد أن افتضح الأمر.
نبذة
1972 : ميلاده بغرداية
1991 : التحاقه بأفغانستان
1993 عودته إلى الجزائر
1994 انخراطه في الجماعة الاسلامية المسلحة
1998 التحاقه بالجماعة السلفية للدعوة والقتال
2005 الهجوم على ثكنة المغيطي بموريتانيا
2007 تأسيس القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي
2012 تأسيس كتيبة الموقعون بالدم
2013 تأسيس جماعة المرابطون واندماجها مع الموقعون بالدم
2013 الهجوم على موقع عين أميناس
بقلم محمد أبويهدة.
|
|
2409 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|