حوّل الإرهابيون نهار بلجيكا إلى ليل. اهتزت عاصمة الاتحاد الأوروبي صباحا على هول تفجيرات إرهابية. قلب أوروبا في خطر ويكاد يسكت. السلطات أعلنت حالة الطوارئ وطلبت من السكان البقاء في منازلهم وحتى من وُجد في عمله مطلوب منه ألا يخرج. وقال آخرون ساخرين من كان في الحمام عليه ألا يخرج. هذا البلد نفسه أقام الدنيا ولم يقعدها لأن المغرب فكك خلية يتزعمها البلجيكي عبد القادر بلعيرج، وكررت الأمر نفسه بعد أن سلمت السلطات الإسبانية علي أعراس، المتورط في القضية ذاتها، إلى المغرب.
الذين قاموا بالعمليات الإرهابية في بروكسيل، والذين سبقوهم بالشر وضربوا باريس في العمق يوم 13 نونبر الماضي، كلهم من خريجي حي مولمبيك، الذي يعتبر بحق "معلمة" في صناعة الإرهابيين منذ ثمانينات القرن الماضي، وما زالت بلجيكا لم تفهم أنها ضحية مركز سلفي كبير يقع وسطها على مساحة شاسعة، لم تمنحه الأرض والرخص والتسهيلات إيمانا بالديمقراطية ولكن طمعا في المال.
إذا كانت بلجيكا تنسى فعلينا أن نذكرها. لا بد من أن نضعها أمام الحقيقة المرة. فعبد القادر بلعيرج، الذي كان يعد العدة لتنفيذ مخطط إرهابي خطير بالمغرب، هو أيضا من أوائل من تخرج من هذا الحي. وكانت السلطات الأمنية والاستخباراتية تعرف أن بلعيرج يصول ويجول، ويزور أقصى الدنيا ومن أفغانستان ينتقل إلى البوسنة وله علاقات ممتازة مع قادة الجماعات الإرهابية، وكان يدخل المغرب ولم تقم بإخبار السلطات الأمنية هنا بموضوع هذا العنصر الخطير.
وأخطر من ذلك أن المغرب كان ينتظر تعاونا مثمرا في قضية بلعيرج لكن بلجيكا صفعته عندما برأته. والشيء نفسه قامت عندما تم اعتقال علي أعراس تلميذ بلعيرج وخريج الحي المذكور. حيث قامت الدنيا ولم تقعد. وتم تجييش الجهات المعنية والمعروفة بعدائها للمغرب ليروجوا لبراءة هذا الشخص الذي يعتبر جهاديا برتبة تاجر سلاح.
عندما كان الأمر يتعلق بالمغرب يكون علي أعراس وبلعيرج أبرياء تم اعتقالهم لتصفية حسابات أو تمرير قوانين، وعندما يقوم تلاميذ تلاميذتهم بضرب بروكسيل يصبحون إرهابيين.
إذا لم تعترف الدول بحق الجميع في محاربة الإرهاب وحماية أمنها القومي والوطني سنعيش الأمر نفسه الذي عاشته بلجيكا أمس.
يبقى السؤال مطروحا: لماذا تتعامل دول الغرب بمعيارين مع الإرهاب؟ لماذا عندما يضربها يكون إرهابا وعندما يفتك بمجتمعات أخرى يكون نضالا مثلما يحدث في سوريا والعراق؟ ولماذا هاجمت بعض الدول الغربية المغرب لأنه اعتمد قانون مكافحة الإرهاب؟ ولماذا أصرت بلجيكا على معاكسة المغرب في قضية الإرهابيين بلعيرج وعلي أعراس؟
ينبغي أن نعرف أن الغرب ليس جادا في محاربة الإرهاب، لأنه يعتمد العناصر الجهادية كموارد بشرية لصناعة الجغرافية السياسية. فيمكن أن يتم الضغط على بعض البلدان التي استطاعت أن تتحكم في المشروع الإرهابي مثل المغرب، وقضية بلعيرج وأعراس قضية حقوقية لدى الأوروبيين ولا يمر وقت دون أن يتم إخراج الملف لمهاجمة المغرب. ويمكن أن يتحول الإرهابيون إلى أدوات لإسقاط الدولة وتدمير البلد مثلما يحدث في الشرق.
إذن الإرهابيون أدوات يستعملهم الغرب ومنه بلجيكا، لكنها اليوم تشرب من الكأس التي سقت منها الآخرين، وإذا لم تقم بجهد للتنسيق الاستخباراتي وتعتمد معيارا موحدا لتعريف الإرهاب فإنها ستشرب من هذا الكأس حد الثمالة.
عزيز الدادسي