لم تنتج أحياء بروكسيل فقط الشقيقان خالد وإبراهيم البكراوي اللذان ثناتر جسدهما في انفجارين أرهابيين هزا سكون المدينة مع طلائع فصل الربيع مخلفين العديد من القتلى والجرحى والمفقودين.
ولم تنتج صلاح عبدالسلام العقل المدبر لهجومات باريس الإرهابية ولا نجيم العشرواي الذي ما يزال مبحوثا عنه واللائحة طويلة ... بل أنتجت قبلهما البلجيكيان من أصل مغربي عبدالقادر بليرج والذي من حسن الحظ تلقفته أيادي الأجهزة الأمنية المغربية من قبل أن ينفد مخططا إرهابيا كان سيغرق البلاد في الدماء... وأنتجت تاجر الأسلحة علي عراس، والذي فطنت إسبانيا إلى خطورته، ولم تتردد في تسليمه للسلطات المغربية.
حين اعتقلت الأجهزة الأمنية المغربية كلا من بليرج وعراس، حاولت الكثير من الأصوات البلجيكية الدفاع عنهما ودرئ التهمة عنهما، بل أكثر من ذلك شككت في القرائن والحجج التي اعتمدها المغرب في اعتقالهما ومتابعتهما.
وبلا ريب فإنها تدرك، الآن، جيدا كم أن المغرب كان على حق، ولكن بعد فوات اكتوت بنار الإرهاب الذي ضرب في عمق العاصمة بروكسيل.
اليوم بعد أن أغلقت المنافذ في وجه كل الذين تربوا في مشتل الإرهاب: حى مولنبيك الذي يعتبر بمثابة مركز للتطرف فى بلجيكا وتقطنه أغلبية مسلمة يمثلون الجيل الأول والثانى والثالث للمهاجرين، لم يعد يجد الإرهابيون من "متعة" سوى في تفجير البلاد التي ولدوا وتربوا وترعرعوا بين أحضانها، لأن الإرهابي لا وطن له.
يشار إلى أن حى مولنبيك يضم كثيرا من المغاربة والأتراك الذين هاجروا قبل حوالى نصف قرن ليصبحوا ضمن الطبقة الوسطى وإن كانوا ليسوا بأثرياء، إلا أن معدلات البطالة فى هذا الحى مرتفعة وتصل إلى ما بين 30% إلى 40% ومتوسط دخل أقل بكثير من متوسط دخل البلجيكيين بشكل عام.
وحسب المركز الدولى لدراسة التطرف والعنف السياسى فى يناير الماضى، فإن ما يقدر بـ440 بلجيكيا حملوا السلاح لصالح الجماعات المتطرفة فى الشرق الأوسط وهو ما يمثل ضعف من ذهبوا من فرنسا، وأربعة أضعاف الذاهبين من بريطانيا "مقارنة بعدد سكان البلد".
وقد عاد 130 شخصا إلى بلجيكا، بينما مات 77 وهم يقاتلون، وبقى أكثر من مائتين فى سوريا. وظهر هؤلاء نتاج صدام اجتماعى منع مولنبيك من أن تصبح وعاء انصهار بلجيكى. فقبل 50 عاما، وصل مهاجرون من المغرب وتركيا ومصر وليبيا، ثم أرسلت بعض دول الخليج دعما للمدارس الدينية فى السبعينيات مما أدى إلى توتر بين المدارس الوهابية والتقاليد المغربية الأكبر والأكثر اعتدالا. واليوم يوجد فى هذا الحى أكثر من عشرة مساجد نصفها داخل المبانى القديمة، وفى بعض الحالات استولى مسلمون متشددون على مجالس المساجد الموجودة ويبقى اتجاه بعض المساجد فى حالة تغير مستمر.
الرباط: إدريس شكري