بان كي مون . اسم ثلاثي كوري جرت العادة لدينا في التقاطه سمعا والمضي قدما إلى ما ينتظرنا من أشغال نقضيها، دون كثير اهتمام. في كوريا، الأسم الثلاثي يعني الكثير. أولا الحاجة الإثنية لتحديد الرواسب العائلية، فأن تكون من سلالة عريقة وتاريخية، هذا يعني أنك ابن مجد تليد وماضي عريق وأن أجداداك حكموا طويلا. الأسماء التي تنتهي بجونغ أو هونغ تعبر عن رغبة الوالدين في أن يكون حاضر ومستقبل الابن مزدهرا وناجحا. أسماء أخرى من قبيل سون وكيانغ تحيل على التواضع والصبر والاستقامة، فيما ينتظر ممن يطلق عليهم كوون الكثير من القوة والنفوذ والسيطرة . في معجم الأسماء الكورية الشهيرة لا يكاد يعثر على مون، وحتى إن تمت الإشارة إليه، فغالبا ما تكون الإشارة مقتضبة ولا تنطوي على أي إحالة للمجد أو الاستقامة أو الرفعة. في المغرب، تم أخيرا إعطاء توصيفات جديدة لهذا الاسم من وحي اللحظة التاريخية التي جمعت الشعب المغربي بالمسؤول الأممي الأول ذي اسم بان كي مون . توصيفات يختلط فيها المتندر بالساخر، فصار الإجماع ممكنا حول نعوت من قبيل : الخائن، الغاضب، المتحامل، المتنمر، التائه، المتلاعب … و‘‘التالف‘‘.
ولعل ميزة ‘‘ التالف ‘‘ هي أهم توصيف يمكن أن ينطبق على الرجل الذي صمت دهرا ونطق كفرا، في عرف كل المغاربة ، من خلال خرجاته الأخيرة التي تحامل فيها على المغرب، مقدما بذلك خدمة ذهبية لخصوم المغرب في أقاليمه الجنوبية . بان كي مون الذي وعد يإيجاد حل نهائي لنزاع الصحراء المفتعل في بداية ولايته على رأس هيئة الأمم المتحدة، أدرك أن حجم العراقيل التي يضعها أعداء المغرب في طريق التسوية أكبر من أمنياته وهو يعيش آخر اسابيعه في هذا المنصب . ولأن منطقا آخر يحضر في اهتمامات بان كي غير منطق العقل، فإنه تجرأ على ما لم يقدم عليه أمين عام سابق في هذا الملف، من تلفيق للحقيقة واستهتار بحق شعب بأكمله في أرضه .
الوقاحة أيضا قد تكون مرادفا لاسم بان كي مون يعرفه المغاربة ولا تعرفه لغته الكورية . فدون إحساس بأدنى شعور بالخجل ودون التحلي بأدنى مواصفات الكياسة، أرسل الأمين العام الأممي استفسارا للمسؤولين المغاربة يطالبهم فيه بتبرير مشاركتهم في المسيرات الحاشدة التي خرج فيها المغاربة تلقائيا للتعبير عن رفضهم للتعابير المشينة التي نطق بها في حق بلادهم . ولأن الوقاحة فعل ممتد في الزمان والمكان، لم يكتف بان كي بحشر أنفه في الشأن الداخلي المغربي وخصوصيات مواطنين مغاربة لهم كامل الحق في التظاهر – وزراء كانوا أم مواطنين عاديين – فقط، بل تمادى في رسم صورة الغضب على وجهه وهو يقابل وزير خارجية المملكة صلاح الدين مزوار في مقر الأمم المتحدة . صورة جلبت عليه كثيرا من السخرية بقدر ما جلبت عليه استهجان كل مكونات الشعب المغربي، الذي تفنن في إبداع ‘‘ الترولات ‘‘ على المواقع الاجتماعية ، متندرا بتقاسيم وجهه المغرقة في الكآبة . قبل ذلك كان بان كي قد استخرج كل مؤهلاته في الصفاقة ليندد بخروج ملايين المغاربة للتعبير عن رفضهم لما تفوه به من تعابير مسيئة للمغرب، مؤسسات وأمة، لاغيا بذلك حقها في التشبث بأرضها في امتدادها الجنوبي كما هو ثابت في كل كتب التاريخ والجغرافيا.
بان كي مون قد تعني أيضا ‘‘ المتملق ‘‘ في اللغة الكورية البعيدة جدا على معجمنا . فأن ينتظر هذه الظرفية تحديدا – الإعداد لإصدار التقرير النهائي حول الصحراء في مجلس الأمن – لينزل بتصريحاته المسيئة للمغرب واصفا إياه ب‘‘ المحتل ‘‘ والتي أعادها قبل يومين هناك في مقره بالأمم المتحدة، ينم عن رغبة منحرفة في إسداء خدمة تاريخية للجزائر، المحرك الرئيسي لدمية البوليزاريو منذ افتعال هذا النزاع مطلع سبعينيات القرن الماضي. ‘‘ تملق ‘‘ يسقط عليه أية ضمانة للثقة ويفسح المجال للمملكة المغربية بالمطالبة بتجريده من صفته الأممية في هذا الملف. فأن تخطئ في التعرف على المخطئ في قضية ما أمر وارد، لكن أن تردد معجمه المنحاز أمام العالم وتكشف عن نواياك الحقيقية، الأمر لا يستقيم مع وضعك كمسؤول أممي من المفروض أن يتحلى بالحياد التام .
ومع ذلك، فما اقترفه بان كي ليس سيئا بالمجمل . يكفي أنه أصبح حديث المغاربة بمختلف أطيافهم ، يرددون اسمه على مدار ساعات اليوم، بين متسائل ومستهجن. من الحمام إلى سيارات الأجرة ، إلى المقاهي الشعبية، مرورا بالإدارات والمقاولات والمتاجر الكبيرة والصغيرة، صار بان كي موضوع الساعة، وكل على مقدار فهمه للأمور ينصب له مشانق التنديد والاستنكار . هي حسنة إذن أن نرى بان كي ينجح فيما فشلت فيه كل محاولات رفع الوعي السياسي لدى المغاربة، حيث صار الاهتمام بهيئة الأمم المتحدة حديثا تجتمع عليه نساء الدرب، وحيث صار ‘‘ مول الحانوت ‘‘ ينطق اسمك أكثر مما ينطق أسماء المواد الغذائية في اليوم الواحد .
حسنته الأخرى تكمن في جمع المغاربة على كل كلمة واحدة، وهو أمر يصعب تحقيقه هذه الأيام . في الواقع كما في العالم الافتراضي، وحد بان كي مكونات الشعب المغربي على إدانته، وجدد أمامهم الفرصة لتذكير كل من يهمه الأمر على أن الصحراء المغربية خط أحمر لا يمكن تجاوزه حتى وإن جاء هذا التجاوز من أعلى هيئة عالمية تقرر في مصير الدول والشعوب .
اسمك وملامحك صارت واضحة في عين كل مغربي . سينتظرون نهاية ولايتك لتتحول إلى موضوع سخرية جديد يختصره المغاربة عندما يتخلصون من الثقل الجاثم على صدورهم بالقول : ‘‘ الما والشطابة تا لقاع البحر ‘‘ .
بقلم سعيد نافع