لا يمكن للمرء إلا أن يشعر بالتقزز من إصرار بان كي مون ومحيطه على التشبث بالمأزق الذي وضعوا فيه هيئة الأمم المتحدة في ملف الصحراء. وما يدعو للتقزز بعد مشاعر الغضب والقلق هو تلك التصريحات الأممية التي تنتج الشيء ونقيضه، إذ يمكن مثلا للمتحدث باسم الأمين العام الأممي استيفان دوغريك أن يقول إن بان كي مون، «متمسك بتصريحاته من قبل» أي تلك التي وصف فيها المغرب بأنه قوة احتلال، وفي الوقت نفسه يتجرأ على أن يضيف مباشرة بعد ذلك «ونحن نأمل أن تتمكن بعثة مينورسو من المضي قدمًا في أجواء أكثر إيجابية».
والغريب أن يتحدث الناطق باسم بان كي مون عن الأجواء الإيجابية في عمل بعثة المينورسو، في الوقت الذي تخلت فيه هذه الأخيرة عن تحمل مسؤولياتها القانونية والسياسية في حماية المنطقة العازلة التي تخلى عنها المغرب طواعية من أجل حفظ السلم بعد الاتفاق على قرار وقف إطلاق النار سنة 1991، ورأينا كيف أن بان كي مون زار هذه المناطق بطريقة استفزازية جعلت الحركة الانفصالية في تندوف ومموليها في الجزائر يتحدثون عن أراض محررة، في وقت بلغ فيه الجنون الانفصالي أوجه لما طلبت البوليساريو عضوية الأمم المتحدة، فزاد بان كي مون هذه الحماقات تشجيعا، وهو ينحني لراية لا تمثل دولة معترف به دوليا، بل إنها فقدت حتى الآن ثلث الاعترافات التي حصلت عليها في زمن الحرب الباردة.
ويحق لنا اليوم، وبعد كل هذا، أن نوقف مساهمتنا في تمويل أنشطة بعثة المينورسو، لأنه لا يمكن لدولة ذات سيادة وكرامة أن تقبل بأن تذهب أموال مواطنيها من دافعي الضرائب إلى هيئة أممية أبانت عن عدائها لكل ما هو مغربي في الصحراء، وحتى قبل أن تتقاعس المينورسو في حماية المنطقة العازلة، تابعنا في أبريل من سنة 2013 كيف أن هاني عبد العزيز، وهو ضابط عسكري مصري كان مبعوث بان كي مون على رأس البعثة، يخاطب مجموعة من الشباب الصحراويين بلغة تحريضية مبالغ فيها، حاضًّا جلساءه على التمسك بمواقفهم واعتبار الأرض أرضهم و الاستمرار على تأكيد ذلك، بشكل يتنافى و المهام المقررة لهذه البعثة، والتي من أهم مبادئها الحياد التام.
وفي الوقت الذي تفيد الأصداء الواردة من نيويورك أن بان كي مون وكريستوفر روس بصدد إعداد صيغة حل جديدة للنزاع لا تراعي مقتضيات السيادة المغربية، يبدو لنا طبيعا أن تقرر الممكلة تقليصا ملموسا لجزء كبير من المكون المدني وخاصة الشق السياسي من بعثة المينورسو، إن ذلك يعني أولا أن المغرب لن يقبل بأي عودة لطاولة تفاوض تعود إلي طرح قضية الاستفتاء وعمليات تحديد الهوية التي تجاوزها مجلس الأمن الدولي منذ سنة 2004، كما أنه إجراء استباقي يستشرف نوايا فريق بان كي مون الذي سيزيد من إجراءاته الانتقامية في حق المغرب، ويقترح على مجلس الأمن، ما سبق ولوح به سنة 2014 حين عرض مسودة تقرير تفتح الباب مشرعا أمام توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.
لكني أجدني في صف أولئك الذين انتقدوا ما ورد في قرار وزارة الشؤون الخارجية والتعاون بشأن «بحث صيغ سحب التجريدات المغربية المنخرطة في عمليات حفظ السلم»، ذلك أن مساهمة المغرب في العمليات الأممية هي التزام مبدئي وأخلاقي مع الأمم المتحدة كمؤسسة، ومع مجلس الأمن الراعي للسلم والأمن الدوليين، وليس مع بان كي مون الذي هو مجرد موظف، وكما يقال في مبادئ القانون الجنائي عن شخصية العقوبة، يمكن أن يطبق في التعاملات بالمثل في العلاقات الدولية، وهذا يعني أنه لا يمكن تحميل المنتظم الدولي وأصدقائنا الدائمي العضوية مسؤولية وتبعات أخطاء شخصية لبان كي مون، خصوصا وأن الأمم المتحدة أصرت على توضيح أن تصريحاته المعادية في الجزائر وتندوف هي وجهات نظر شخصية وليست مؤسساتية.
وربما أن الصيغة الواردة في بلاغ وزارة الخارجية تترك لنا مجالا للتراجع عن هذه العقوبة، التي سيتضرر منها السلم والأمن الدوليين في بؤر التوتر الإفريقي على الخصوص، فنحن نعلم أن عدد القوات المغربية يصل إلى حوالي 2300 عسكري يجعلون المغرب يحتل الرتبة الثامنة عشرة عالميا والثالثة عربيا، إنه وزن ثقيل لا يمكن إلا أن يؤثر في حال سحبه على استقرار الأوضاع في بلدان تربطنا بها علاقات وطيدة كما هو الشأن في الكوت ديفوار والكونغو برازافيل، وفي إفريقيا الوسطى التي حلت بها القوات المغربية للحيلولة دون إبادة المسلمين في تلك النقطة العميقة من انتمائنا الإفريقي.
أجل يمكننا أن نغضب من بان كي مون وهذا حقنا الوطني المشروع، لكن أن نعرض حياة الآلاف من المواطنين الأفارقة للخطر، وأن نحرمهم من الخدمات الطبية والإنسانية التي تقدمها لهم التجريدات العسكرية المغربية، فذلك مما يدخل في خانة عدم تناسب العقوبات، ومن دون شك فإن ضميرنا الوطني والقاري، والتزاماتنا الأخلاقية والمبدئية تجاه القضايا العادلة للشعوب الشقيقة والصديقة هي ما سيحرك فينا ملكة تدارك الهفوات التي قد نكون ارتكبناها في لحظة غضب وطني شرعي ومشروع.
يونس دافقير