يرى مواطن مغربي عاصر كورت فالدهايم (إبان المسيرة الخضراء ثم اتفاقية مدريد ثم استرجاع وادي الذهب)، ودي كوييار (سمي باسمه مخطط 1991للسلام)، وبطرس غالي، وكوفي عنان، وكلهم أمناء عامون سابقون على رأس الأمم المتحدة، وسبقوك في تدبير مساعيها المتعلقة بقضية الصحراء المغربية، ولم يصدر من أي واحد منهم ما صدر عنك من مواقف عدائية واضحة تجاه بلدي، يرى هذا المواطن أنك تستحق الشكر والتنويه. لقد كان لسلوكك أثناء جولتك في الجزائر ولبلاغك الغاضب إثر اجتماعك مع وزير خارجية بلدي أفضال كثيرة تبرر هذا الشكر، وهذه بعضها:
1 ـ كان لك الفضل، دون أن تشعر ولا أن ترغب في ذلك، في أن تمنح للشعب المغربي فرصة توجيه رسالة جديدة للعالم، وللأصدقاء والخصوم والأعداء، مفادها ما يلي: رغم مرور أكثر من أربعين عاما على المسيرة الشعبية الخضراء، لم يتسرب الملل للشعب المغربي، ولم يتزحزح قيد أنملة عن إيمانه القوي بعدالة قضيته، ولم تزدد وحدته وإجماعه لنصرتها سوى قوة وصلابة، وما تزال جذوة مواجهة كل محاولة للمس بحقوقه ملتهبة، وقادرة على إحراق كل من طمع في المس بها. كانت مسيرة الرباط الشعبية مظهرا من مظاهر التعبير عن ذلك. ثم جاءت مسيرة العيون التي ضمت 180 ألف مواطن صحراوي مغربي (أي أضعاف مضاعفة لما يوجد في مخيمات تندوف الجزائرية) لكي تكذب أطروحة «الشعب الصحراوي»، وتؤكد أن سكان الصحراء جزء لا يتجزء من الشعب المغربي، وأنهم متشبتون بمغربيتهم.
2 ـ كان لك الفضل، في أن تعطي للدولة المغربية فرصة جديدة للكشف عن قدرتها على أن تكون صارمة، وعلى قدرتها على تتبع حركاتك وسكناتك، السرية منها والعلنية، في الجزائر العاصمة وتندوف وبئر لحلو المغربية، وعلى الرد القوي على تجاوزاتك وخطاياك. فكانت التدابير الفورية التي أعلنتها حكومة بلادي والتي تمس وضعية «المينورسو»، وكان إعلانها العزم على سحب تجريداتها في عمليات حفظ السلام. ثم تم التوضيح على أن تلك القرارات ليست سوى مجرد تدابير أولية. وهذا يعني أن عليك أن تنتظر تدابير أقوى إن تماديت في سلوكك المعادي، الذي لا يحترم الموضوعية، ولا يلتزم بالحياد، ولا يحترم المرجعية الموضوعة من طرف مجلس الأمن. فهل تكون تلك التدابير الأخرى هي طلب وضع حد لمهمة «المينورسو»؟ هل تكون طلب سحب ملف الصحراء من مهامك؟ هل هذا ما يوحي إليه بلاغ وزارة خارجية بلدي عندما تحدث عن إمكانية «اللجوء إلى تدابير أخرى»؟ على كل حال، إذا حدث شيء من هذا فلن يكون المسؤول عنه سواك، فضلا على أنه سوف يدون في سجلك، وأنت تستعد لمغادرة منصبك في نهاية العام الحالي، وتكون قد نسفت مخططا انطلق منذ 1991، وفتحت باب المجهول أمام المنطقة في ظرف تتربص بها، وتهددها مخاطر الإرهاب وعدم الإستقرار.
3 ـ فضحت نفسك بنفسك، فأعطيت الدليل على أنك لا تستحق ثقة بلدي، إذ أظهرت ميلك وتأييدك للأطروحة الانفصالية، وأكدت استعدادك لكي تُوظف لصالح النظام الجزائري في صراعه مع بلدي، وما إصرارك على عدم تأجيل زيارتك للمنطقة، وعلى توقيتها قبيل تحرير تقريرك لمجلس الأمن سوى رغبتك القوية في تقديم هدية لأعداء المغرب بمناسبة آخر تقرير لك حول الصحراء المغربية أمام مجلس الأمن. بل ألححت على تأكيد مواقفك وتصريحاتك حتى أول أمس، مما يدل على أنك ماض في التصعيد. وعليه، فسيكون لبلدي الحق إذا قرر أن يسحب منك الثقة، وأن يعتبر أنك لست أهلا لقيادة مساعي الأمم المتحدة المتعلقة بقضية الصحراء المغربية، وأن يسعى إلى تجميد تدارسها إلى حين انتخاب أمين عام جديد.
4 ـ كشفت عن جانب كنت تخفيه في طبعك، ربما لأنك كنت تظن أن بلدي حائط قصير لن يتجرأ على انتقادك علانية وعلى الإحتجاج على تصرفاتك، أو ربما كنت تستقوي عليه بجهة من الجهات؛ لقد أسبغت على شخصك قداسة، وهو ما لم يسبق لأي أمين عام قبلك أن اقترفه، حين أنكرت على الشعب المغربي وقواه الحية الحق الشرعي والديمقراطي في التعبير بحرية عن آرائهما وردود أفعالهما تجاه تصرفاتك وانزلاقاتك. ثم بلغت بك الجرأة حد التدخل في شؤون بلدي حين طلبت «توضيحات» حول الوزراء الذين شاركوا في مسيرة الرباط الإحتجاجية.
مجمل القول، شكرا لك، لأنك دفعت بلدي، بسبب تصرفاتك، لأن يذكر، مرة أخرى، خصومه وأعداءه، إن كانوا ينسون أو يتناسون أحداث التاريخ القريب والبعيد، بأنه دائما بالمرصاد، ومستعد للتعبئة في كل وقت وحين، حتى وإن طال الزمان، وأن مناورات ومؤامرات خصومه لن تنتصر حتى وإن كان أحد منفذيها أمين عام للأمم المتحدة.
محمد لبريني