في مادة تحليلية مستفيضة نشرها الكاتب المغربي إدريس هاني على مدونته، تناول من خلالها مسيرة الأحد ضد بان كي مون والتي قارنها بالمسيرة الخضراء، وعبر المقارنة والاستذكار وتحليل الواقع والتطلعات الإستراتيجية نعثر على تصور دقيق للقضية بما هي نزاع مفتعل يحتاج إلى التعاطي الجاد من قبل المنتظم الدولي.
قال هاني "في صبيحة يوم الأحد كانت الجموع التي قدّر لي أن أتتبع امتدادها من أطراف العاصمة من جهة الطريق المؤدّي إلى الدار البيضاء حتى المحيط وصولا إلى سلا وأطرافها. كنت أكثر من ساعة وأنا أبحث عن مخرج ولكن عبثا. لكن منحني ذلك الانتظار في طابور طويل أن أتأمّل المشهد تحت الضغط. حضر المغرب بكل طبقاته وبكل أعماره وبكل حساسياته. لم نعد هنا أمام مغرب نافع وآخر غير نافع. لقد كانت النخب والشباب والعمّال والمزارعين في تدفّق عفوي يحمل فطرة الجغرافيا ونبل التاريخ حيث تلمست في تلك الوجوه لا سيما من كبار السن والعجزة أنّهم جيش احتياطي قد يضجر من السياسة ولكنّه لا يضجر من الوطن، وقد يتخلّى عن الأحزاب ولكنه لا يتخلى عن الأوطان، وقد يسكت في قضايا السياسات ولكنه لن يسمح بالنيل من الأرض، بهذا الصنيع كان الشعب المغربي أكثر استراتيجية من بعض النخب والجماعات".
واستخلص الكتاب من خلال هذه الملاحظة الدقيقة لطبيعة المسيرة أنها "رسالة إلى بان كيمون الذي حاد عن الحياد وفضّل أن يتحدّث لغة استشعر منها الشعب المغربي قسوة وميلا وعدم الإنصاف. بان كيمون الذي فضّل أن ينهي مهمّته بإعادة الوضع إلى مربّعه الأوّل في الصحراء، غير أنّ ما أقدم عليه الأمين العام الأممي هو أنّه أجّج الموقف وسبّب النّزاع مجدّدا، مما يؤكّد أنّنا أمام حالة من التأزيم الجيوسياسي في سياق دولي وإقليمي كان يتطلّب قدرا من الانضباط في مهمة فكّ النزاع".
لقد كانت المسيرة الاحتجاجية الأخيرة، حسب الكاتب، تذكيرا بالمسيرة الخضراء التي تدفقت فيها الجماهير في بداية سبعينيات القرن الماضي لتخترق حواجز الاستعمار الإسباني وتسترجع الأقاليم الصحراوية. كان الشعب هو من توجّه إلى تلك الأقاليم وهو من ذكّر بأنّه لا زال على عهد المسيرة التحررية التي وضعت الاحتلال الإسباني أنذاك في موقف حرج. وربما كان هناك من أراد أن يختبر عزيمة المغاربة وموقفهم من السيادة ووحدتهم الترابية، فأكّدوا أنّ خلافات المغاربة السياسية لا يمكنها أن تؤثر على عقيدتهم في الأرض والوطنية وإرادة المقاومة. هي إذن مسيرة إنذارية، مسيرة حمراء ليس بعدها إنذار. فلقد كانت الصحراء عامل تأزيم في منطقة تواجه اليوم تحدّيات حقيقية: اقتصادية وأمنية حيث الإرهاب على الأبواب ومصير الاتحاد المغاربي معلّق على تصفية هذا الملف.
وأضاف أن "الأطراف الدولية والإقليمية المعنية تدرك بهذا الملف أنّ قضية الصحراء في المغرب هي أكبر من قضية جغرافية وتاريخية، بل هي في الوجدان المغربي تحوّلت إلى شعور أنطولوجي من خلاله يعرّف المغاربة هويتهم الوطنية. وأنّ العبث بالوحدة الترابية يشعر المغاربة باللاّمعنى الجغرافي. هذه الحالة (الأنطو ـ جغرافية) تعزز القناعة لدى كل الأطراف الإقليمية والدولية بأنّ المغرب لن يفرّط في صحرائه أيّا كانت التحدّيات، وبأنّ القضية باتت قضية شعب غير قابلة للنّقاش. هناك شعب غاضب تاريخيا من التحرش الإقليمي والدولي بوحدته الترابية، غير أنّ محاولة تأزيم الأوضاع يراد منه وضع المنطقة تحت الضغط الجيوسياسي".
واعتمادا على منهج المقارنة ضرب الكاتب مثالا بجنوب السودان، الذي انفصل عن شماله، لكن المشكل ما زال قائما بل ازداد الوضع تأزما، حيث يقول الكاتب "درس السودان كان صارخا في نظري، فالانفصال يتبعه انفصالات، بل وإنّ التنازل عن الأرض يذهب المعنى بالانتماء والوطنية ويكشف عن أزمات ما بعد الانفصال وإحباطاته. ومن هنا كان الحديث عن استرجاع الجنوب السوداني أمر لا يزال يعزز انتظارات هذا الشعب الذي ازدادت مشاكله بعد انفصال الجنوب. هذا مع أنّ جنوب السودان يختلف عن موضوع الصحراء من حيث أنّ الجنوب يختلف عن الشمال في عدد من العوامل الثقافية والعرقية بينما الصحراء هي امتداد طبيعي للشمال، بل أكثر من ذلك لا يوجد مسؤول انفصالي إلاّ وله أب أو أخ أو عم مسؤول في المغرب، بمعنى أنّ الانفصال يتهدد الوحدة الأسرية لأبناء الصحراء أنفسهم ويتهدد النسيج الاجتماعي في الأقاليم الصحراوية".
وأشار الكاتب إلى أن "المغرب لن يتخلّى عن صحرائه، فهذه مسألة باتت ثابتا راسخا في مزاج الشعب، وإنّ أي قوة في العالم لن تستطيع أن تشكّك في هذا الانتماء. ولكن مثل هذا إنما يعزز تخلف المنطقة عن التكتل والتضامن الضروريين لمواجهة مشاكل حقيقية وغير مفتعلة ويشوّش على مسارات التنمية السياسية والاقتصادية في المنطقة".
وتطرف إدريس هاني إلى بعض المكونات السياسية التي تخلفت عن مسيرة الأحد وخصوصا جماعة العدل والإحسان، التي لا زالت تكرر أخطاءها وتتخلّف عن موعد التعبير عن الحدّ الأدنى من المواطنة خارج الاحتقان التاريخي للجماعة مما يعني أنّنا عدنا مجدّدا إلى الثقافة السياسية لـ "بوحمارة" الذي ينتظر لحظة التمكين ليخلق الاستثناء في الموقف. لقد فشلت العدل والإحسان في امتحان الوطنية مرّة أخرى، وكأنّها غير معنيّة بالكيان المغربي في معترك المناورات الهادفة لإشغال المغرب بقضايا مزيّفة أو استنزافه.
وبخصوص تناقض موقف الجماعة من قضايا ذات طابع وهمي حيث تخرج للشارع بينما تدخل إلى جحورها في قضية تهم كافة المغاربة، يقول هاني "لقد كان هذا الشكل من المواقف دائما بمثابة رسائل إلى الخارج طلبا للتمكين. مع أنّ هذا النوع من الرسائل لن يغيّر من المعادلة شيئا. لقد مرّ المغرب من مرحلة صعبة وتجاوزها بتدبير وثبات لأنّها كانت تريد أن تنزّل سيناريوهات الفوضى التي لا يرسوا بعد كيان. وما تبقى من قوّة القصور الذّاتي للفوضى الخلاّقة لا يكفي لتكرار التجارب. ولا توجد قضية أشرف في السياسات من السيادة والاستقلال والوحدة الترابية. وكل شيء في عرف أهل السياسة يهون أمام القضايا الوطنية الأولى. ويبدو أنّنا أمام موقف غير أخلاقي حينما نسجّل موقف الحياد أو نجنح إلى الاستثناء فيما أجمعت عليه الأمّة. وبينما رأينا مجاميع هذه الحركة تنزل للشوارع دفاعا عن قضايا وهمية كثيرة، وبعض كوادرها يشدونّ الرحال ويخترقون حدود البلدان لتسجيل تضامن خاطئ مع قضايا أخرى، نراهم يعزلون أنفسهم عن حراك وطني كبير. لم يتغنّ مطربها “الموتشو” للصحراء ولكنه غنّى لمرسي في مصر وتحوّل إلى “خبّاز” في مخابز الرقة مع النصرة حيث وصل إلى هناك بتوسّط تنظيم القاعدة".
عزيز الدادسي