علي أسندال
قد يقول قائل أن القدافي مجرم وقاتل، قتل الألاف واغتصب وشرد ،ولا يستحق الحياة ، طاغية متجبر وقد لا تفي كل الصفات السيئة بوصفه الحقيقي ، لكنه إنسان في أخر المطاف له الحق في الحياة كأسير حرب ، بعد أن استسلم ، وكل قواعد الحروب في القوانين الدولية الوضعية وحتى في الشريعة الإسلامية التي يدين بها ثوار ليبيا لا تخول قتل الأسرى وتعذيبهم، بغض النظر عن عدد القتلى الذين هم مسؤولين عن قتلهم خلال فترة الحرب.
إن تصرفات ثوار ليبيا ومعهم القيادة السياسية ، التي تعلم أن العالم لن يهتم بمصير القدافي وأسرته مهما كانت نهايتهم ، ترسل اشارات عن طبيعة الدولة الليبية القادمة ،وتبعث رسائل غير مطمئنة الى الجيران وقد تكون الجزائر وبعض الدول في هذا على حق . فالمشكلة ليست في قتل القدافي من عدمه ، لكن الامر يتعلق بالمنهج والقرار في الدولة الليبية الجديدة، بيد من؟ وماهي طبيعة تلك السلطة التي تسير أمور البلد؟.
لقد انتقد الكثيرون غياب الدولة والمؤسسات في دولة العقيد القتيل ، لكن المؤشرات التي تأتي من طرابلس تشي بأن بناء دولة المؤسسات أمر بعيد المنال في الأفق المنظور، فثوار الجبل والمدن الاخرى لا يزالون مرابطين في العاصمة بأسلحتهم الثقيلة ، ومنهم من يرفض نزع السلاح ولم تفلح دعوات المجلس العسكري المحلي في إقناعهم بالأمر.
فإعدام القدافي وابنه المعتصم تطرح سؤالا لدى أي متتبع مفاده ،هل يمتلك الثوار سلطة تنفيذ حكم الاعدام في القدافي وأبنائه؟
وقد لا يختلف إثنان على أن القدافي يستحق الموت أكثر من مائة مرة ، لكن من هو ولي الدم المخول بالقصاص منه ، في الحالة الليبية و من الناحية الشكلية إنه المجلس الوطني الانتقالي ورئيسه القاضي ووزير العدل السابق ، وهو الجهة الوحيدة المخولة بتقديم القدافي الى المحاكمة العادلة والتي هي حق طبيعي لكل متهم مهما كانت جرائمه ، والذي يبقى بريئا حتى تثبت إدانته .
لكن المجلس الوطني تملص من عبء محاكمة القدافي وأبنائه بتصفيتهم وهم أسرى حرب ، ولم يوفر لهم ما كان ينادي به من محاكمة عادلة، لقد نحى الحكام الجدد لليبيا نهج القدافي من خلال الاعدام بدون محاكمات والقتل من أجل الانتقام و ربما كانوا لا يقدرون على تحمل مرافاعات القدافي أمام محاكمهم التي بلا شك ستفضحهم واحدا واحدا ، وهم من كانوا الى جانب العقيد ينفذون سياسته. وليس من المعقول أن يكون القدافي يقتل بيديه وإنما من خلال نفس الحكام الجدد الذين فضلوا التخلص منه ولكنهم لم يستطيعوا التخلص من السلوك والعادات القدافية .
ان دولة الديموقراطية ليس فيها مكان للانتقام والثأر الشخصي ، لأن ذلك سيفتح باب التطاحن بين أفراد الشعب الليبي المسلح ،بحيث يمكن لأي شخص أن يقتل غريمه من رجال النظام السابقين والذين تورطوا في جرائم ،وربما منهم حاليا من التحق بالمجلس الوطني في بدايته وأخرون فضلوا البقاء الى اللحظات الاخيرة لغرق سفينة نظام العقيد .
انها الفتنة والعصبية القبلية المقيتة التي بدأت تنمو وتترعرع وقد لا تنتهي بنهاية القدافي وأبنائه ، وحتى ولو تم القضاء النهائي على قبيلة القدادفة وهو أمر مستحيل وهم أزيد من مليون نسمة، فإنهم وصغارهم سيتذكرون تلك الطريقة البشعة التي أعدم بها زعيمهم وأبنه، فيا ليتهم قتلوه ولم يصوروه لكان الأمر قد اختلف.وجرائم الثوار لا تقف عند هذا الحد بل تتجاوزه الى اضطهاد كل الافارقة السود وتعذيبهم وطردهم وحتى بعض المغاربة نالوا نصيبهم ،وذنبهم الوحيد انهم كانوا عمالا أو خدما عند رجال القدافي .
ان الذين ابتهجوا لموت القدافي الدكتاتور وخرجوا مهللين ، نسوا أو تناسو أن هناك ألالاف من الليبيين يعتصرهم الالم والاهانة ، ليس لان القدافي قتل ،لأنهم كانوا على يقين أن مصيره القتل أو السجن في أحسن الأحوال ، لكن تلك الصورة التي أظهرته دليلا وهو يرجوا ويقول لهم "حرام عليكم" ، فان لم تكن للقدافي حرمة يرعاها في ضحاياه ،فإنه له حرمة وهو أسير ذليل ، ومهما يكن قاتله أو قاتليه ، فليسوا أبطالا وإنما هم مجرد مجرمين أو "قدافيات صغار" قد يكبرون في أي وقت ،فإن كانوا ينفذون فتوى القرضاوي والتي قالها في سياق وزمان مختلفين تمام الاختلاف . وربما لو سأل مرة أخرى لأفتى بغير ما سبق .
ربما هناك من يعتقد أن القدافي كافر مهدور الدم وقتله تنفيذ لحكم شرعي وقربة الى الله ، كلها مبررات لا تعطي الحق لأي شخص أن ينفذ الحكم بيده، إنها لعمري قتل نفس بغير حق، سيحاسب قاتلها عليها يوم القيامة، فالقدافي وأبنه دخلا في مجال " من قتل مظلوما" لأنه لم تمنح لهما فرصة الدفاع عن نفسهما بعد أن أصبحا بدون سلاح ومن شيم العرب في القتال عدم قتل الأعزل والمدبر ومن شهامتهم أن يناول المحارب السيف لغريمه ولا يقتله إلا وجها لوجه.
كما أن أية القصاص (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)،وأية ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ).أن هاتين الآيتين واضحيتين بما يفيد أن عملية القصاص ليست عامة وإنما خاصة ، في الاولى بأولي الالباب أي أصحاب الفهم لأحكام القصاص وهم القضاة . والثانية جعلت أمر تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء بيد الحاكم الذي يخضع لرغبة ولي القتيل، الذي يحق له إنفاذ حكم القصاص أو العفو وقبول الدية ، هذا في الشريعة الاسلامية. أما في القوانين الوضعية فهناك ما يسمى بالحق العام والذي لا يسقط حتى ولو أسقط صاحب الحق حقه ولا يملك صاحب الحق في هذه الحالة تنفيذ الحكم بيده وإلا أعتبر مجرما في نظر القانون.
ان الخشية الأن على ليبيا أن تشتعل فيها حرب الانتقام بين القبائل الموالية للقدافي والثوار ، وأن تدخل في أثون حرب أهلية تذهب فيها سدى أرواح الالاف من الشهداء الذين ضحوا من أجل الحرية والكرامة والعدالة ، فإذا كانت العدالة أول الغائبين في مسار الثورة الليبية ، فإن الكرامة بدورها على المحك ، فهل تعود للموالين للقدافي كرامتهم وحريتهم ، أم هي دولة ستبنى على عصبية أخرى وترمي بأنصار القدافي إلى الحضيض .نتمنى أن تٌستدرك هفوات الثوار وأن يجتمع السلاح والسلطة بيد حكومة تمثل كل الشعب الليبي وقبائله . والا فان ليبيا ينتظرها مصير مجهول سيتمنى فيه الليبيون ساعة من زمن القدافي ، كما تمنى العراقيون لحظة من أيام صدام ،خيرا لهم من ظلم ملالي قم وتلامذتهم.