تريد جماعة العدل والإحسان دولة على مقاسها، وشعبا على مقاسها، ونظاما على مقاسها، وحتى الشارع ترغب في أن يكون على مقاسها.
وتريد أن تكون كل أطياف المغرب في كفة، وهي لوحدها، في كفة أخرى.
فهي لا تشبهنا، إنها حالة فريدة، ونقية، وثقيلة، ووازنة، وعلينا أن نتعامل معها انطلاقا من هذه الصورة المتخيلة.
ولذلك ترفض الجماعة أن تتظاهر مع المغاربة، ولا تقبل أن تخرج معهم في مسيرة للدفاع عن الصحراء، ومادامت هي غير موجودة فيها، فكل شيء باطل.
ومسيرة أمس مجرد كرنفال، ومجرد استغلال بشع للشعب، على رأي قادة الجماعة.
وها هو عمر أحرشان يحسب عدد المشاركين، ويعذب نفسه بالعد، وبالزوم، ويمنحنا رقمه الحقيقي، ويقلصه إلى أدنى ما يستطيع، ليصل إلى ما يرغب فيه، وما ترغب فيه الجماعة، وليقنعنا أن لا شعب إلا شعب الجماعة، ولتتحول القضية إلى قضية أرقام.
وهذا كله لتبرر الجماعة موقفها، ولئلا تظهر بمظهر الغائب، ولتتحدث عن نفسها، وعن التفاصيل، بينما المغاربة مشغولون بقضية أكبر.
ولأنها لم تجد من يطبطب عليها، ومن يمدحها، فهي تطبطب على نفسها وتمدح نفسها، وتغضب بعد أن لم توجه إليها الدعوة، ومن أجل ذلك تنتقم، وتختار عزلتها المطمئنة والمريحة.
فكل ما يأتي من طرف الدولة تشكك فيه الجماعة.
وكل ما يأتي من الأحزاب والجمعيات والنقابات مجرد كرنفال وتجييش، وعلينا أن ننتظر خروج الجماعة وأنصارها.
فلا خرجة إلا خرجتها، ولا مسيرة إلا مسيرتها، ولا وطن إلا وطنها، ولا شعب إلا شعبها. ولا مغرب إلا مغربها.
أما البقية فمشكوك فيهم وفي أعدادهم وفي نواياهم.
كل ما يتحرك في هذا البلد عدم والجماعة لوحدها حية وفاعلة، وعلى الجميع أن يعول عليها.
وحين لا تخرج الجماعة، ولا تكون حاضرة، ولا يملأ أنصارها الشارع، فهي تغضب وترد على نفسها، دون أن يطلب منها أحد ذلك.
وعلى الدولة أن تقف مكتوفة اليدين، وعلى الأحزاب أن لا تدعو إلى أي مسيرة، وعلى المغاربة أن لا يبرحوا مدنهم وبيوتهم، في انتظار اعتراف الجماعة بنا.
والحال أن هذه الجماعة لم نسمعها يوما تقوم بدور لصالح قضية الصحراء، ولا أي قضية أخرى، مقارنة بالمعارضات الوطنية الأخرى، التي ذاقت عذاب السلطة وقمعها، لكنها، ومع ذلك، كانت تضع خلافاتها جانبا، كلما تعلق الأمر بالصحراء، وخير مثال على ذلك هو حزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال الذي كان في فترة من الفترات، يزيد من منسوب الوطنية لديه، ليقترب من الشوفينية، ويطالب بامتداد مغربي، تخلت عنه الدولة، بحكم الواقع.
لقد خرج المغاربة يوم أمس وانتهى الأمر.
والرسالة وصلت.
ومن الآن فصاعدا على الجميع أن يستشير مع الجماعة قبل أن يقدم على أي خطوة.
فأي مسيرة هذه لا تحفها الملائكة.
وأي مسيرة هذه خالية من المعجزات والكرامات.
وإي مسيرة هذه بلا أرواح تحلق فوق المتظاهرين وبلا أحلام ولا رؤى.
لقد وصلت الرسالة
وفي المرة القادمة ولكي تكون المسيرة ناجحة
علينا أن نحترم ما تريده الجماعة
وسننحي الدولة جانبا
وسننحي الأحزاب
وسننحي المغاربة الذين لا ينتمون إلى العدل والإحسان
ومقابل ذلك
سنفسح المجال
لشعب الجماعة
ودولة الجماعة
وخيالها
الذي يشتهي دولة على مقاسه
وشعبا على مقاسه
ووطنا على مقاسه
وعندما لا يتحقق ذلك
تغضب الجماعة
وتنكر الواقع
وتنشغل بالحساب
وبمسيرة”الغائب” الحاشدة التي نظمتها ضد مسيرة المغاربة
وبدولة تحكمها الأرواح ويسيرها الموتى
فكل شيء في المغرب هو مجرد كرنفال
ومسرحية
في ظل غياب الجماعة
التي ترفض أن تقدم أي هدية للدولة
حتى في ما يتعلق بالصحراء
هي مستمرة في صمودها
ومنتظرة ساعة الحسم.