في إطار زيارة بان كيمون للمنطقة قام بتنظيم ندوة صحفية بمخيم الحافظ، و هي الندوة التي اشار فيها للملف، و قدم جزءا من ”تصوره” للنزاع المفتعل حول الصحراء، و عن مستقبل الملف وفق الرؤية الجديدة/الانقلابية لكل ما سبق أن تقدم به هو نفسه في السنوات الماضية خاصة قبيل انعقاد مجلس الأمن في أبريل الماضي، لأن جزءا مما صدر عنه في الندوة يعتبر تغيرا كبيرا في موقفه و موقف مجلس الأمن خاصة قراره الأخير 2218، الذي حدد فيه المرجعية الأساسية للشكل الذي سيدبر فيه الأمين العام للأمم المتحدة لهذا النزاع، و لخطوات كريستوفر روس في إطار مهمته المتعلقة بالعمل على تسهيل المفاوضات بين المغرب و الطرف الآخر،دون الخوض في ما أسماه و سماه إعلام الجبهة بالاستقبال الحاشد، هذا الاستقبال ”الحاشد” الذي عرف هجوم الشباب الغاضب من الوضعية بالمخيمات و من طول أمد النزاع و من مسؤولية المتدخلين فيه، و المنتفعين منه من التجار ببؤس المخيمات و بالمساعدات الانسانية و هو الحدث الذي حاول التغطية عليه، دون الإشارة للتظاهرة الكبيرة التي جلبت شوارع الجزائر احتجاجا على التقليل و حالة الحصار الممارس على الشعب الجزائري بالقبايل.
بالعودة لهذه الندوة الصحفية فانه يمكن تسجيل ما يلي:
– تقرير المصير كما أكدت عليه الامم المتحدة سنة 2004: بالرجوع للندوة الصحفية لبان كيمون فقد أشار إلى ضرورة الرجوع لما سبق أن قررته الأمم المتحدة سنة 2004، و للفهم الذي كانت تعتمده لمعنى تقرير المصير، لاشك أن إشارة كيمون لتاريخ 2004 ليس اعتباطيا، و لا محض صدفة، بل هي إحالة على تاريخ ما قبل سنة 2007، و هو التاريخ الذي قدم فيه المغرب مقترح الحكم الذاتي، الذي اصبح منذ ذاك التاريخ جزءا من الحل، و الذي أقر مجلس الأمن بجديته و مصداقيته، و أصبح منذ سنة 2010 يشكل مرجعا أساسيا ضمن وثائق و قرارات مجلس الأمن، خاصة قرار السنة الماضية 2218.
الأمين العام للأمم المتحدة عند اختياره لهذا التاريخ، لم يكن اختياره اعتباطيا، و لا غير مدروس خاصة و أنه أعلن عن ذلك من داخل المخيمات، فقد كشف عن رغبة في إعادة النزاع و الصراع المفتعل لنقطة الصفر، و نسف كل التراكم الذي حققه المغرب داخل أروقة الأمم المتحدة، و خارجها على الصعيد الدولي من حيث تزايد حجم الإقرار بأهمية الحل السياسي الذي طرحه المغرب كحل، و كمخرج نهائي لهذا النزاع، و كمسلك سيعيد لسكان المخيمات كرامتهم، و إنسانيتهم المفتقدة داخل المخيمات بفعل الممارسات التي تنهجها جبهة البوليساريو في حقها، و في حق ساكنيها.
هذا التراجع للأمين لا يمكن وصفه إلا بالإنقلاب ليس على المغرب، و لا على مقترح المغرب، بل على الشرعية الدولية التي تعتبر قرارات مجلس الأمن هي المعبر عنها، و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون بان كيمون فوقها، لأن الذي يحدد مسارات الملف ليس موقعه، بل مجلس الأمن بناء على مداولاته التي يقوم بها، التي تكون مناسبة لتقييم المسار و لاستشراف أفق حل هذا النزاع المفتعل.
– طلب دعم الزيادة في المنح و مؤتمر الدول المانحة: المسألة الثانية التي أشار إليها بان كيمون في ندوته الصحفية هي دعوته التي أكد عليها في فقرتين حول مطالبته للدول المانحة قصد الزيادة في المنح التي تقدم للمخيمات، كما دعا للقاء للهيئات المانحة بجنيف مستقبلا، و هي الدعوة التي لا يمكن إلا الإتفاف معها من الجانب الإنساني، خاصة و أن جميع التقارير الدولية تؤكد الوضع اللاانساني الذي تعيشه المخيمات، من مختلف الجوانب الإجتماعية و المعيشية، لكن ما لم يتساءل عنه بان كيمون هو:
من المسؤول عن تدهور الوضع الاجتماعي للمخيمات؟
أين ذهبت المساعدات الإنسانية التي ظلت تضخ بالمخيمات منذ سنة 1975 التي تقدر بأكثر من 210 مليار؟ لمن و أين تم تحويلها؟
– الملايير و المساعدات الغذائية التي تحدث عنها تقرير المكتب الأروبي لمكافحة الغش المقدرة بالملايير التي كشف هذا التقرير كيف يتم تحويل مسارها ليستفيد من ريعها عسكر البوليساريو و جنرالات الجزائر
فبدل أن يساءل بان كيمون قيادة الجبهة حول مصير و مسار هذه المساعدات التي سلمت لهم، و المطالبة بفتح تحقيق دولي في الموضوع، مع التفكير في خلق آلية دولية لتوزيع هذه المساعدات على سكان المخيمات حتى يتم ضمان وصولها للمعنيين بالأمر، يعمد إلى المطالبة بالزيادة في هذه المنح و هو يعلم أنها لن تصل للمعنيين بالأمر، ما المقصود بذلك؟ و لو كان شخص آخر لقلنا أن له مصلحة مادية مباشرة في هذه المساعدات، لكن و نحن أمام دعوة للأمين العام للأمم المتحدة فإن الأمر يثير الكثير من الاستغراب لأنه بذلك يزيد من حجم فساد هذه القيادة، و من استغلالها لهذه المساعدات قصد الضغط على العائلات بالمخيمات، و استقطاب القبائل للولاء للقيادة، و هو ما يجب على المغرب أن يطرحه بشكل مستعجل ليس فقط معه بل مع مختلف الهيئات التي سبق لها أن اتخذت قرار وقف المساعدات و سبق لها أن أدانت البوليساريو كالبرلمان الأروبي و غيره من المؤسسات الدولية.
– لقاء مع شباب المخيمات: بان كيمون في ندوته الصحفية عرج عمدا إلى الحديث على لقاء تم تنظيمه له تحت اشراف قيادة الجبهة مع ما أسماه بشباب المخيمات، الذي يعرف العقلية العسكرية التي تحكم قيادة الجبهة، و سوابقها خاصة في مؤتمرها الأخير الذي استبدلت فيه نسبة كبيرة من المؤتمرين المفترضين بالعسكريين لضمان التحكم في المخيمات و إقصاء أي صوت معارض للتوجه الذي خطط له بدهاليز الاستخبارات العسكرالجزائرية، سيتأكد بأن نسبة كبيرة إن لم يكن جل مما أسماهم بشباب المخيمات هم عسكريين، و حتى لو كانوا مدنيين فليس هناك أية ضمانات لتحقيق حوار تفاعلي حقيقي لأنه يجري تحت رقابة الجبهة و أجهزتها، لذلك فادعاء بان كيمون بإجراءه لحوار مع الشباب و إرادتهم به، هو ادعاء مردود عليه، و كان الهدف منه هو التقاء إرادتين، الأولى لدى شخصه للتغطية على الهجوم الذي تعرض له موكبه بالهتافات و الحجارة مما أدى إلى تهريبه، الثاني هو رغبة قيادة الجبهة إظهار للعالم و كأن هناك من يدعو للعودة للسلاح و حمله، و أنها صمامة الأمين الوحيد لتحقيق السلم و ضبط الوضع، و هي إشارة كان الهدف منها عرقلة الوصول لأي بديل حقيقي عن هذه القيادة.
تساؤلات مشروعة على بان كيمون الاجابة عنها:
1- بان كيمون عند لقاءه بهؤلاء الشباب كان قد توصل قبل وصوله للمخيمات برسالة من طرف مجموعة من المعارضين لقيادة الجبهة تطالبه بعقد لقاء معه، و هو ما لم يستجب له بل تجاهله في جل مداخلاته، و تحركاته، و هو إقصاء يشرعن حالة الديكتاتورية و الاستبداد التي تعيشها المخيمات، فلماذا رفض لقاءهم؟
2- بان كيمون يعي جيدا أنه وفقا للقانون الدولي الإنساني أن هناك مسؤولية مباشرة للجزائر باعتبارها دولة لجوء، هذا يفرض عليها التزامات دولية بموجب اتفاقية جنيف للاجئين، كان من المفترض أن يطرح معها مسؤوليتها في ضمان الحق في التعبير، التنقل، الصحة…. وغيرها من الحقوق الأساسية خاصة منها الحق في التنظيم و التجمع.
3- ما يجب أن يوضحه بان كيمون هو لماذا ألح على تنظيم هذه الزيارة و هو في نهاية ولايته، لماذا لم يقم بها منذ أربع سنوات، ما هي الرسالة التي يريد إرسالها لمن سيخلفه؟
4- بان كيمون نظم هذه الزيارة و الملف على الصعيد الأممي يقترب من مناقشته بمجلس الأمن في أبريل المقبل، و بالخطاب الذي قدمه فهو يوحي لمجلس الأمن باتخاذ موقف معين غير متزن، و يطالبه بالعودة لأكثر من 15 سنة للوراء أي لسنة 2004، أي مرحلة ما قبل مبادرة المغرب التي قدمها سنة 2007، و ما يعنيه ذلك من إشارات سياسية و تفاوضية واضحة، حسب ما أوضحنا سابقا.