تذكرت منذ بضعة أيام موجة الفنانات المصريات “التائبات” في بداية التسعينيات: سهير البابلي، شمس البارودي، سهير رمزي، صابرين، وأخريات غيرهن. حينها، راج كلام كثير عن كونهن يتلقين أموالا من شيوخ الخليج مقابل الاعتزال، وتحدث البعض عن تهديدات يتعرضن لها، فيما البعض الآخر ذهب للتأثير المحتمل لمشاهير البرامج الدينية حينها. بالمقابل، فأغلب هؤلاء الفنانات ركزن خطابهن حول “التوبة” ،”العودة إلى الله” و”الندم” على أعمالهن السابقة.
ما سبب هذا الكلام الآن؟ تذكرت كل هذا الوقائع بعد إعلان خبر اعتزال المطربة المصرية شيرين، ثم قرارها السريع جدا بالتراجع عن الاعتزال، بعد أربعة أيام فقط.
خلافا للفنانات السالفات الذكر، لم تعلن شيرين أسباب اعتزالها ولاأعلنت عن أي قرار بارتداء الحجاب أو غيره. في البداية، عممت قرار الاعتزال عبر رسالة صوتية هاتفية واعتبرت أنه قرار لا رجعة فيه. ثم لاحقا، راج خبر عودتها المحتملة بعد الرفض الواسع من طرف جمهورها وزملائها الفنانين لقرار الاعتزال ومطالبتهم إياها بالتراجع عنه.
بالتأكيد، كان مستحبا لو أن شيرين لم تعلن قرار الاعتزال وتقدمه على أساس أنه “قرار لا رجعة فيه”، دون أن تكون متأكدة فعليا منه. لا يمكننا أن نعلن “قرارا لا رجعة فيه” ونتراجع عنه خلال أربعة أيام…
لكن القضية ليست هنا… لا تهمني قضية الاعتزال والتراجع عنه لاحقا، بقدر ما أود التوقف عند بعض ردود الأفعال التي تلت قرار الاعتزال.
شيرين مطربة جميلة بإحساس مرهف… لكنها كأي فنان، ستجد من يحب فنها ومن ينتقده. المشكلة هنا هي أن الكثيرين في مصر، لكن أيضا من دول كثيرة في المنطقة، ثمنوا قرار شيرين لأنه، بالنسبة لهم، يترجم توبة وعودة لله. هداية بعد الانحراف. هكذا، قرأنا في العديد من الواقع عناوين وتعليقات من قبيل: “شيرين تعود إلى الله”. “شيرين تتوب إلى الله”. وكأن الفن في النهاية عفن وإجرام ومعصية وانحراف. فهل كانت شيرين مثلا تسرق أو تختلس أو تقتل أو تغتصب لكي تتوب إلى الله؟
ألا تترجم تعليقات عفوية وعناوين إعلامية كهذه تصورنا للفن عموما؟ ليس مهما موقفنا من شيرين وما تقدمه من فن ولا حتى قرار اعتزالها والتراجع عنه. في النهاية، شيرين شخص. فرد. فنانة من بين كثيرين هناك من يحب فنها وهناك من لن يجد فيه ذائقته.
الإشكال هو في علاقتنا بالفن وفي كوننا نعتبر الاعتزال عنه توبة وهداية وعودة إلى الله؛ في حين مثلا أن اعتزال الرياضيين لا يتلقى نفس ردود الفعل. بعض الفنانين أنفسهم يترجمون نفس التصور حين يرفضون مثلا انخراط أبنائهم (وخصوصا بناتهم) في الفن، وحين يعبرون في بعض لقاءاتهم الإعلامية عن رغبتهم المستقبيلة في الاعتزال والحج والتوبة. كم فنانا مغربيا ومصريا وخليجيا شارك في برامج تلفزيونية ليقول بأنه يتمنى في المستقبل أن يذهب للحج ويتوب؟
طبعا، القناعات والممارسات الدينية للفنانين يجب أن تحترم. أن يكون الفنان متدينا وأن يصلي وأن يقرر الحج أو القيام بعمرة هي اختيارات حرة كاملة له. علينا إجباريا احترامها. لكن، في نفس الوقت، أن يعتبر فنان بأنه يحتاج للتوبة عما يفعله يترجم أنه نفسه يعتبر ما يقوم به دنسا ووسخا يستحق التوبة. أن يعتبر الجمهور بأن فنانا يقرر الاعتزال لأسباب كثيرة جدا قد تجمع الشخصي بالعاطفي بالمهني وبالعائلي، إنما يتوب إلى الله ويعود إليه بعد ضلال، هي ترجمة للعلاقة البئيسة التي تربطنا بالفن…
سناء العاجي