ظهرت أولى العلامات على فشل زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى شمال إفريقيا في تحقيق الانفراجة المرجوة في ملف الصحراء المغربية، وهو الهدف المعلن منذ مدة لهذه الزيارة.
ووصل بان السبت إلى تندوف الجزائرية، ليجري زيارته الأولى لمخيمات احتجاز الصحراويين في ظروف قاسية، سعيا لما قال إنه إنعاش لعملية السلام المتوقفة.
ويقول مراقبون إن أول دليل على فشل الامين العام للأمم المتحدة في تحقيق هدفه من الزيارة هو أنها لم تشمل المغرب ابرز طرف تعنيه هذه القضية.
وتبدو بوادر فشل هذه الزيارة في تقدير المراقبين بسبب إصرار بان على أنه جاء إلى المنطقة من أجل "تمكين الشعب الصحراوي من حقوقه وخاصة الحق في تقرير المصير"، في إشارة على ما يبدو إلى نهج متقادم سار عليه المغرب لأكثر من عقدين على أمل ان ينتهي من هذا النزاع المصطنع على جزء من اراضيه ليتجه الى تنمية مجتمعه ودعم استقراره، لكنه جوبه في كل مرة بإصرار جبهة البوليساريو على أحلامها الوهمية بدعم غير مفهوم من الجزائر، التي تغذي النزاع عبر دفعها للجبهة الانفصالية نحو خيارات صارت مستحيلة، وحلا غير ممكن خارج إطار الحكم الذاتي الذي تقترحه الرباط.
ويقول محللون إن الأمين العام للأمم المتحدة يبدو وقد تخطى وعلى نحو واضح الخطوط الحمر التي يرسمها المغرب لهذا الملف، رغم أنه قد قال ان الحل الذي يبحث عنه يأتي "ضمن حلّ سياسي يرضي جميع الأطراف".
ولا شك ان المغرب يرفض الاستمرار في الحديث عن الحل بآلياته القديمة التي لم تؤد الى نتيجة تذكر.
وتحدث بان الجمعة عن أن "الشعب الصحراوي عانى كثيرا وطال أمد معاناته" ولكنه لم يشر إلى الاسباب الحقيقة لهذه المعاناة ما جعل البعض يؤول كلامه على أنه يحمل المغرب ولو بشكل غير مباشر سبب هذه المعاناة لأنه ربطها بالدعوة إلى "تقرير المصير".
وكان المغرب قد اعتبر منذ مدة هذا السلوك التي انتهجه بان في زيارته الحالية للمنطقة بأنه تجاوز من الأمم المتحدة ومن امينها العام لأنه لم يلتزم من خلال هذه التصريحات بتوجيه جهود منظمة الأمم المتحدة "من أجل حل الخلافات بالطرق السلمية، والتزامها باحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، لتحقيق تطلعات شعوب العالم إلى السلم والأمن والاستقرار".
وتقول الرباط إن عودة بان للتلميح إلى استفتاء تقرير المصير بعد كل الجهود التي بذلها المغرب وتأكيده على أن حل الحكم الذاتي هو آخر ما يمكنه تقديمه في إطار هذا الملف، هو تدخل سافر في شون المغرب البلد العضو في الامم المتحدة. وهو أيضا اصرار من اكبر مسؤول اممي على مواصلة استمرار أزمة ثبت للعالم أنها سبب مباشر لاستمرار انعدام الاستقرار في دول شمال افريقيا والساحل والصحراء التي تواجه موجة هوجاء من الإرهاب.
وقال العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب وجّهه إلى الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في اكتوبر/تشرين الاول 2015 "إن منظمة الأمم المتحدة، التي تحتفل بذكراها السبعين، قد بلغت سن النضج والحكمة والمسؤولية، وأن عملها لا ينبغي أن يكون سببا في زعزعة استقرار الدول التي تساهم في العمل والتعاون متعدد الأطراف.
وأضاف الملك محمد السادس ان بلاده سترفض أي مغامرة غير مسؤولة بخصوص الخلاف الإقليمي حول الصحراء المغربية، موضحا أن العديد من القوى الدولية تدرك تماما، بأن التصورات البعيدة عن الواقع التي تم إعدادها داخل المكاتب، والمقترحات المغلوطة، لا يمكن إلا أن تشكل خطرا على الأوضاع في المنطقة.
ورفض المغرب استقبال الأمين العام للأمم المتحدة خلال هذه الزيارة لأنها تأتي في وقت غير مناسب.
وذكرت وسائل اعلام مغربية في وقت سابق ان المغرب أبدى رغبة في ارجاء زيارة بان للمغرب الى شهر/يوليو تموز المقبل، وانه يتحفظ على موعدها لكون الزيارة تأتي قبيل أسابيع قليلة من تقديمه تقريره السنوي حول تطورات نزاع الصحراء الى مجلس الامن الذي يعقد اجتماعات سنوية في الأسبوع الأخير من ابريل/نيسان من كل عام، يصادق فيها على التقرير ويصدر قرار تمديد مهمة بعثة الامم المتحدة في الصحراء (مينورسو) لسنة اخرى.
وكان بان يعتزم زيارة العيون كبرى مدن الصحراء اضافة الى الرباط سعيا الى احراز تقدم على طريق تسوية هذا النزاع.
وهبط بان الذي يرافقه مبعوثه الخاص للصحراء كريستوفر روس، في مطار تندوف الجزائري حيث كان في استقباله رئيسة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء مينورسو كيم بولدوتش والفريق الذي يعمل على الأرض.
ويتساءل مراقبون عما اذا كان قادة الجبهة الانفصالية سيسمحون للأمين العام للأمم المتحدة بالاطلاع عن كثب عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها متساكنو المخيمات في الصحراء الجزائرية، وكيف ان الكثيرين منهم يحتجزون قسرا هناك ويمنعون من حقهم في التعبير عن آرائهم ضد الطغمة التي تحكمهم بالحديد والنار وتتاجر في مآسيهم، إذ اكدت العديد من المنظمات الحقوقية الأوروبية أن قادة البوليساريو يتاجرون في المساعدات التي ترسل الى متساكني المخيمات.
كما يتساءل المراقبون عما اذا كان بان سيمتلك الجرأة للتحدث مع قادة الجبهة الانفصالية عن دورهم المثبت بالقرائن والحجج لدى اكثر من جهة دولية تراقب تطورات الأوضاع في المنطقة، في نشر الإرهاب في المنطقة والتعامل مع التنظيمات الجهادية المنتشرة هناك خاصة عبر تجارة الاسلحة وتسهيل تحركات العناصر الإرهابية بين الدول. وهو دور لا شك أنه لا يخفى عن أكبر مسؤول في الأمم المتحدة راعية السلم والامن في العالم.
وهذه اول زيارة للامين العام للمنطقة يخصصها للنزاع في الصحراء المغربية.
واستعاد المغرب صحراءه العام 1975 بعد رحيل المستعمر الاسباني. وتسعى جبهة بوليساريو مدعومة من الجزائر الى انفصال هذه المنطقة عن المغرب.
وتقترح الرباط منح الصحراء حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها في حين تطالب جبهة البوليساريو باستفتاء حول تقرير المصير.
ويضع المغرب قضية الصحراء على رأس أولوياته في الحراك الدبلوماسي ورفض الانضمام للاتحاد الافريقي بعد ان اعتمد الاتحاد بوليساريو عضوا فيه.
ويقول المراقبون إن "النفق المسدود التي تشهده قضية الصحراء قد غيّر مسار النزاع من تسوية على أساس استفتاء لتقرير المصير، إلى اتفاق سياسي قائم على الحكم الذاتي يعتبره المغرب نهائيا".
واكد العاهل المغربي في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ان الصحراء المغربية ستظل تحت السيادة المغربية "إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"، مؤكدا ان "مبادرة الحكم الذاتي هي اقصى ما يمكن ان يقدمه المغرب"
بن موسى الجزائر تايمز