لن تتحقق نبوءة مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة بشأن استكمال الحكومة لبرنامجها الانتخابي قبل نهاية الولاية البرلمانية.
الأمر يكاد يكون محسوما ليس فقط بسبب الظرفية الاقتصادية التي تجعل موسما فلاحيا جافا يربك حسابات عائدات الخزينة وتوقعات النمو، ولا بسبب ضيق الحيز الزمني المتبقى من هنا إلى غاية السابع من أكتوبر موعد الانتخابات التشريعية، ولكن أيضا وأساسا لأن ما يجري في البيت الحكومي هذه الأيام يعلن الموت الإكلينيكي للأغلبية الحكومية، ويخبرنا مبكرا أن سنة الانتخابات ستعصف بكل التعاقدات التي بنى عليها قادة الأغلبية الحد الأدنى الضروري لبقاء الائتلاف الحكومي صامدا في وجه الألغام التي زرعتها في طريقه الانتخابات الجماعية والجهوية.
حين هاجم صلاح الدين مزوار بغثة رئيسه في الحكومة عبد الإله بن كيران وحليفه في الأغلبية حزب العدالة والتنمية قبل ثلاثة أسابيع، كنا نملك نصف الجواب، وفي كل مرة كان علينا أن ننتظر رد ابن كيران الذي ألزم أعضاء حزبه بعدم الرد إلى حين تكفله شخصيا بهذا الطارئ الذي لم يكن يتوقعه، أما وقد جاءنا رد رئيس الحكومة صريحا وواضحا، فقد صار الجواب ماثلا بالكامل أمامنا: لقد انتهى زمن التعايش الصعب بين الحزبين الأكبر في التحالف الحكومي.
قبل أسبوع قال ابن كيران أمام أعضاء اللجنة الوطنية لحزبه تعليقا على تصريحات مزوار «لن أرد على على هذه التصريحات بالعار، يلا جيت نرد عليها بالعار ما خصناش نبقاو في الحكومة، خاصو يخرج فحالاتو هو من الحكومة، أَوْلاَ خاصنا نقدمو استقالة كحكومة كاملة»، لكن ابن كيران لم يستطع أن يصبر كثيرا هو الذي يجد صعوبة في التحكم في لسانه، وفي لقاء مع اللجنة المركزية لشبيبة حزبه السبت الماضي، قالها دون تحفظ وهو يعتبر مزوار مجرد وكيل ينوب عن إلياس العماري في الهجوم على العدالة والتنمية والحكومة، وبلغة فيها الكثير مما يوصف بالدارجة ب«تقطار الشمع» قال إن هناك «من يخاف من إلياس العماري وأنا أقول لهم لا تخافوا لأنه لا يملك الأرزاق (…) فمفهوم أن يتعرض السياسي لضغط معين ولكن لابد من المقاومة على الأقل قليلا».
وماذا ننتظر بعد كل هذا حين يعتبر رئيس الحكومة أكبر حلفائه ووزيره في الخارجية مجرد مندوب لحزب الأصالة والمعاصرة في الحكومة؟ بالطبع سنتوقع ردا آخر لا يقل سخونة وحدة من جانب مزوار، وبعد تصريح ابن كيران سيتحرر صقور العدالة والتنمية من قرار منع الرد وسيشرعون في قصف بيت التجمع الوطني للأحرار بوابل من قذائف القيادات الحزبية والجيش الإلكتروني، خصوصا وأن حكاية الوزير التجمعي محمد بوسعيد مع الحلفاء الإسلاميين في واقعة صندوق التنمية القروية ماتزال جراحها لم تندمل بعد، وبالكاد استطاع ابن كيران أن يقنع برلمانييه وقيادة حزبه بتجاوز هذه الحكاية «التي هزت الثقة بين وزراء الحكومة» مثلما صرح بذلك عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري حين اتهمه إخوان ابن كيران رفقة بوسعيد ب«خداع» رئيس الحكومة في إسناد صفة الآمر بالصرف في الصندوق القروي.
إنه التوقيت السيء لمثل هذا التراشق السياسي والإعلامي الذي يهز أركان ما يسميه صلاح الدين مزوار ب«الائتلاف الحكومي» عوضا عما يراه عبد الإله بن كيران «تحالفا حكوميا». وهو توقيت سيء بالنسبة للزمن السياسي والتشريعي الذي يتحكم في الأداء الحكومي، لنأخذ القوانين الانتخابية على سبيل المثال، في هذا الملف لا يمكن أن نتوقع مشروعا حكوميا منسجما تناقش به الحكومة أحزاب المعارضة، وفي القانون التنظيمي للأمازيغية سيزداد الشرخ اتساعا خصوصا حين تدخل الحركة الشعبية على الخط هي المعروفة بتباعد المسافة بينها وبين حزب العدالة والتنمية في مسألة ترسيم اللغة الأمازيغية، ولنقس على ذلك ما تبقى من قوانين استكمال الدستور، حتى لا ندخل متاهات التزامات البرنامج الحكومي في محاربة الفساد ورفع معدلات التشغيل وغيرها من التعاقدات الاجتماعية مع الناخبين.
هكذا سيبقى مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة يردد وحده أن الحكومة ستتمكن من استكمال برنامجها الحكومي رغم تحديد السابع من أكتوبر موعدا للانتخابات التشريعية، إن لدى الخلفي اعتقادا مفاده أن مجرد مصادقة المجلس الحكومي على مشاريع القوانين وإحالتها على البرلمان هو نهاية القصة، لكنها في الواقع ما هي إلا بداية متاهة أخرى سيتخلى فيها الحلفاء الغاضبون عن ابن كيران، ولمن يريد أن يتأكد من ذلك ما عليه سوى أن يتتبع مسار مشاريع قوانين إصلاح أنظمة التقاعد التي تحدت فيها الحكومة النقابات وأحالتها على البرلمان، ففي مجلس المستشارين وقع «البلوكاج» التشريعي بين تأجيل وآخر، ووحدهم مستشارو العدالة والتنمية ظلوا يعبرون عن الغضب دون أن يلقوا مساندة من حلفائهم، وبالأخص من مستشاري التجمع الوطني للأحرار.
لنحتسب ما تبقى من العمر التشريعي للبرلمان: اختتمت الدورة الخريفية وبقيت دورة الربيع فقط، أما الدوة الخريفية المقبلة فسيكون افتتاحها بعد الانتخابات، وحتى في حال اللجوء إلى دورة برلمانية استثنائية فإن هذه الأخيرة تكون محصورة في الزمن والمواضيع، وإذا ما أضفنا إلى ذلك انفراط عقد الأغلبية الحكومية وتبادل القذائف السياسية والإعلامية بين أكبر مكوناتها، سيكون بإمكاننا القول إن عبد الإله ابن كيران فيما تبقى من الولاية الحكومية لن يكون، حسب لغة الدستوريين، غير رئيس حكومة مكلف بتسيير الأمور الجارية.
يونس دافقير