أول ما تساقطت الزخات المطرية الأولى,فرحنا وباركنا لبعضنا البعض " كان فالأول داكشي زوين",وطبعا لعبنا ومشينا تحت المطر,زعما وكأننا في سويسرا,ضحكنا وتراشقنا بالزخات المطرية اللطيفة,وضعنا صورنا مع العزيز الغائب كمناشير في الفيس بوك,وذلك قبل أن نستيقظ من الحلم الوردي,و"تهجره" لنا الأمطار,التي شكلت قطراتها البسيطة بركا ضخمة,أغرقت الشوارع الرئيسية قبل الأزقة والحواري الشعبية..
وطبعا وكفرد من الشعب صار واجبا ولابد أن اجمع" شطايطي" و"جلايلي",متخلية عن الأناقة والبريستيج,وان أمارس ك"يا أيها الناس" رياضة القفز فوق البرك والجداول,وان أمعن النظر في موطئ قدمي في محاولة لتبين الرمال المتماسكة من الطين المسبب للانزلاق,بالكاد وصلت لوجهتي: " الرحيبة",السوبر مارشي الشعبي حيث يقوم ولاد الشعب ب"الشوبينغ",و أتفاجئ هناك بالحالة المزرية,على رأي دوزيم : حالة لا يرثى لها,كان "الغيس" هو السائد على المشهد,ورغم ذلك الباعة البسطاء كانوا يتحدون الطبيعة ويفرشون لبضاعتهم,طلبا لتحصيل القوت اليومي,أما المتسولون فانكمشوا على أنفسهم بجانب الحيطان,ومعظمهم من الوافدين على المدينة,من الذين كانوا يظنون بان سكان العيون يكنسون الأموال من على الأرض كنسا..
اشتريت بعض ما كنت انوي شراءه,نظرا للغلاء إلذي ضرب أطنابه,وتقاسمت ومن مد لي يده دريهماتي,ثم توجهت إلى موقف الحافلة "لواوا",وطبعا من "الرحيبة" إلى ذلك الموقف,قفزت ما يستوجب قفزه,وتفاديت ما يسهل تفاديه,ثم وقفت انتظر,وحانت مني نظرة إلى الأسفل,حيث رجلاي,أيام ما كانت لي أرجل كباقي الإناث,لأفاجئ ب"فراقش" ملطخة بالطين,كتلة مطينة بطين,لم اعد أتبين "الليبا" من "الصندالة",نظرت إلى أرجل رفيقات الكفاح وحمدت الله,إذا عمت هانت,حاولت تجميل الموقف مبلغ استطاعتي,لكن الطين كان مصرا على موقفه,لذلك تركته على حالة ووقفت انتظر..وانتظر
الطوبيس 8..لا
الطوبيس 1..نو
ذكرني ذلك بالسهرة الفنية,وكيف أنهم كانوا يستهلونها بالأغاني الكلاسيكية والملحون,موفرين الشعبي لأخر السهرة,وما بين حافلة وحافلة أزيد من عشرين دقيقة على الأقل,كانت أصحاب بعض السيارات ممن يحمل بين جانبيه قلبا " هشيشا",يعرض خدماته,إما بفتح الباب أو هزة راس " يالله",بإيماءة أو بغمزة خفية,ولو انزلوا أعينهم إلى الأسفل لولوا هاربين,لكن الحب أعمى ههه..
"جا الطوبيس"..
نبهتني الفتاة بجانبي ل"اجمع" الوقفة,من حسن الحظ أن كان فيه متسع في حافلتي المفضلة,وإلا لكنت انتظرت لدقائق أخرى في البرد والمطر,اللهم البرد ولا الزحام,صعدت كباقي الشعب,وقام الرجال من أماكنهم ليفسحوا لنا نحن الجنس اللطيف المكان,وذلك ما كان يجعلني أفضل وسيلة النقل هذه,في مدينة كهذه,حيث تعامل المرأة من طرف الرجل الصحراوي خاصة, كأميرة غير متوجة ..
جلست بجانب النافذة,أشاهد ما خلفته الأمطار,تجولت بنا الحافلة من شارع إلى شارع,كان الحال من بعضه,برك وانهار,جداول وعيون,أناس يتقافزون,وآخرون يراقبون,وآخرون يكنسون المياه من على البيوت ومن أمامها,كانت نتيجة حتمية في ظل الضعف الذي تعاني منه البنية التحتية,كان الكل مشغولا بصلاة الاستسقاء,لكنهم نسوا أن طرقنا,شوارعنا وأزقتنا ليست مجهزة لصرف المياه التي ستتساقط..
كانت فرصة لتفقد أحوال المدينة,وكان الحال يسوء كلما ابتعدت بنا الحافلة عن المركز,مررنا بشارع السمارة والدويرات و84 والعودة,قبل أن اصل إلى وجهتي " بلاصة هون",نزلت ومشترياتي البسيطة,لتصفعني موجة من المطر,أغمضت عيني كحركة غريزية,فإذا بي أطأ في بركة طينية وسط الشارع "أش بغيت لك يا حمدي",استغفرت الله وأنا أهز راسي في محاولة لطرد بعض الأفكار السيئة التي جالت بخاطري,قبل أن اعقد العزم واستمر في المشي باتجاه المنزل الذي يبعد مسافة "نيت" عن موقف الحافلة,حاولت الاستمتاع بزخات المطر,وتفادي النظر إلى أسفل,يا سلام, لا ينقص الديكور إلا شاهبندر بجانبي يلاحظ إحساسي بالبرد,فينزع سترته ليدفئني" اوبس" بركة أخرى تضيف بصمتها إلى قدمي الجميلتين,وطبقة أخرى تضاف إلى طبقات الوحل التي تغرق "صندالتي",كان المنظر مضحكا,أناقة الخليج بالأعلى و " حد كرت" بالأسفل,وقال لك "شاهبندر"..
شعب لا يستحيي على عرضه..لذلك فكل عام ونحن عائمون, غارقون..
نجاة حمص