كدت أصدق:
أوَّااااه ،أخيرا تذكر فخامة الرئيس بوتفليقة أن بناء الاتحاد المغاربي مسؤولية جزائرية أيضا؛ كما هي مغربية،تونسية،موريتانية،وليبية؛وان كانت لهذه الأخيرة أولويات،حاليا؛ولعل ما تعانيه من فشل دولتي راجع ،بنسبة مهمة،إلى تعطيل الأداء المغاربي؛كما تصوره رواد الحركات التحررية،ونادوا به في خمسينيات القرن الماضي،بطنجة وغيرها.
و تَذَكّر أن هناك رسائلَ ملكية ، في موضوع تجديد البناء المغاربي،مُوجهة ،منذ سنين لقصر المرادية،من طرف الملك محمد السادس؛ بصفته هذه ،وبصفته باحثا أكاديميا، نَظَّر كثيرا لتكتل مغاربي قوي ،يدير بفعالية علاقاته الخارجية؛خصوصا مع الاتحاد الأوروبي .
و انتبه ،أخيرا،إلى أن الزيارة الملكية إلى" تونس الجديدة" لم تكن زيارة دولة مغربية فقط؛بل مغاربية أيضا؛ومن هنا نداء تونس الذي اختار له الملك - منصة إطلاق؛ما دمنا نصبح ونمسي على لغة الحروب- منبر البرلمان؛تزكية لثورة قدمت بناء المؤسسات على بناء القوة؛خلافا لفرقاء ليبيا.
و قرر ،بعد لأي مزمن،أن يُصدق الرادار "حَذامِ"، التي ما انفكت تصرخ،منذ زمن- كما صرخت في العرب العاربة،قديما - بأنها ترى رايات سودا،ورؤوس شياطين، تثير النقع صوب ليبيا ؛حيث تحول كل شيء إلى مِلك مُشاع؛وتفرقت الدماءُ على الدماء،والتفت الساق بالساق؛تكملة لآخر فصل من فصول كتاب اخضر، لم يكن اخضر أبدا.
و قرر – ظنا مِني أنه من قرائي،ولا فخرَ- أن يضع حدا لإنتاج الزمن المغاربي الضائع؛ووأد الاستقلال المغاربي الشامل؛الذي لم يتحقق بعد،كما حلمت به ،وناضلت من اجله،الشعوب المغاربية.
كدت أصدقه ،وأضيف لون صدقه إلى الألوان المتعددة التي رسمت بها لوحة الجزائر ؛من خلال كل كتاباتي التي أوَّلَها الجيرانُ تأويلات شتى؛دون الانتباه إلى أنها لم تزد ، وان قست أحيانا، على البحث عن لون دافئ ومُحرض تُلون به حُلمَ " الاتحاد المغاربي الجديد".
كدت اصدق لولا أن تداركتني براهين كثيرة تؤكد أن رسائل الرئيس إلى القادة المغاربيين،بمناسبة العَوْدِ السابع والعشرين، لذكرى الولادة الصارخة لاتحاد المغرب العربي – كما تسميه نصوص التأسيس – قد تكون مجرد ورقة سياسية،اختار لها الرئيس التوقيت المناسب؛ليقول للداخل الجزائري،و للخارج :
ها انتم ترون كم انأ صادق في بناء دولة جزائرية مدنية.
لعل هذا الخطاب من الرئيس الجزائري يستحضر ،وهو مُحق،أن الاشتغال المغاربي لدولة العسكر الجزائرية ،منذ الانقلاب على الشرعية الثورية- كما بينت في مقالات سابقة- لم يكن سوى دمار شامل ؛أصاب المغرب منه،ويصيبه، أذى كبير؛اضطره إلى بناء جيش قوي الرباط والشوكة،على حساب الكثير من حاجيات شبابه ،بالخصوص.
لم تُفد هذه الدولة العسكرية،المتنكرة في لباس مدني، لا الداخل الجزائري، ولا الخارج المغاربي.
حتى ليبيا المتحللة اليوم ،كشاة متردية من عل ،لم تجد في جنرالات السياسة ،هؤلاء،ما تسد به رمقها ؛وهي أحوج ما تكون،اليوم، لأحذية ثقيلة تطأ – مُدمية - أقدام الدواعش الحافية،قبل أن تنتعل؛وتُكسر أنياب الذئب قبل أن يتنمر.
حتى تونس التي تتخطفها الأصوليات الجهادية ،اليوم،تكاد لا تركن إلى الجيش القوي الذي يجاورها – ولو كان جيشا مغاربيا لاطمأنت - وحتى إلى ثرائه؛وتفضل نُصرة المستعمر السابق؛وهي تعلم أنها بثمن.
ثمن أقله العفو عن النظام السابق؛وها نحن نراها تفعل,مُلقية بديوان الشابي، الذي أعاد تأليفه البوعزيزي،إلى البحر ،وليمة لأعشابه.
نظام عسكري ،بعد أن انقلب على الشرعية – حتى المغاربية؛اعتبارا لحلم الشعوب- أسس دولة أشبه بمحطة بترول.
ولتشتغل المحطة للنظام فقط ،تم إيقاد حرب أهلية ؛حينما بدا في الأفق بصيص من الديمقراطية ،انتزعه الشعب الجزائري انتزاعا،في رئاسة المرحوم الشاذلي بن جديد.
ومن انجازات هذا النظام العسكري ،التي لاتزال تمارس "صولتها" على عِزِّ الرئيس بوتفليقة –أسوة بسابقيه- تغريبة "بني هلال " المعاصرة:
أفخاذ وأسر مغربية صحراوية ،مُكَثَّرة بجِياع مهاجرين- عبر طرق الملح القديمة- تم احتجازها،لعشرات السنين في انتظار أن تُفرخ دولة؛ لكن على حساب التراب المغربي،والغذاء الدولي..
هذا هو ُجماع الإبداع العسكري ؛ولاداعي لتفاصيل اقتصادية أفقرت شعبا ،أرجله في النفط ،ونظره إلى هناك حيث الرفاه الأوروبي ؛ولو انتحارا في الأبيض المتوسط،أسوة بكل فقراء إفريقيا.
نعم في هذه صدق:
إذ أقسم منذ البداية ألا يكون ثُلثَ رئيس،ولا حتى رئيسا متدربا؛كما عَيَّر سلفَه اليامين زروال ،ذات تنصيب.
وقد خطط بدهاء كبير لتفكيك جبروت الجنرالات؛وصولا بهم اليوم إلى السجون والإضراب عن الطعام(الجنرال بن حديد). وهل يسلم من اتهم سعيد بوتفليقة بالحمق؟
أما "رب الجزائر"،الجنرال توفيق – صانع الرؤساء- فقد أطاح به ؛وهو في خريفه،يدرج على كرسي متحرك.
لكن لايفهم من هذا أنه "ديموقراطي الطبع،شعبي النزعات" – كما أوصى المرحوم محمد الخامس بنيه وأحفاده؛وحتى بقية القادة المغاربيين- بل أجراها ديكتاتورية ،لنفسه ؛حتى وهو يرفضها للجيش.
ما يجعلنا نحسن الظن هو كون تغيير النظام من وضع الاستبداد إلى الدمقرطة والرشاد ،ليس هينا حتى على رئيس دولة؛خصوصا والشعب الجزائري حاد المزاج،كما نعرف؛ولم تُفتح في وجهه ،منذ قرون غير مدارس التسلط والاستعمار و"الحكرة" العسكرية.
لنقل بأن تجربة الجنرال "فرانكو" قد تتكرر في الجزائر:عاش الجنرال ديكتاتوريا،ومات ديمقراطيا ،وهو يسلم البلاد لملك (خوان كارلوس)مقتنع بأن اسبانيا لا يمكن أن تعيش بدون أوكسجين الديمقراطية،الذي تنتجه دول الجوار الأوروبية،وغيرها.
لقد استبد بوتفليقة بالأمر –ولو انتخابيا- ردحا من الزمن غير هين ؛حتى صحًّت له أربع ولايات –كما دسترها لنفسه- واليوم بدا له أن يرفضها لغيره ،من رؤساء المستقبل؛بمادة دستورية غير قابلة للتعديل.
بمعنى ما أغلق كل أبواب الاجتهاد الدستوري؛كما حصل مع الفقه الإسلامي ،في الرسالة القادرية المشهورة.
لهذا وغيره قَويت شوكة المعارضة في الجزائر،وأخذ الشارع يتململ؛لأنه ما كاد يألف الرفاه ،ويستجيب للإغراء بالاستهلاك،والتنفير من السياسة ،حتى هوى سعر النفط،وبدت الدولة/ المحطة في ضيق كبير،حتى قبل الضائقة.
وعليه فستولد السياسة العنيفة من جديد في شوارع الجزائر؛وإذا لم يكن هناك مشروع رئاسي كبير –من قبيل بناء الاتحاد المغاربي الجديد- يَشْغل الشباب ،إن لم يكن يُشَغلهم،فستفتح أبواب جهنم..
ما يجعلني أواصل البحث عن لون الصدق هو كون رسائل الرئيس إلى القادة المغاربيين –خصوصا ملك المغرب- تبدوا مفتقرة إلى مقدمات ومداخل:
لم تسبقها ،حسب علمي، لقاءات ومشاورات ؛حتى تظهر كنتيجة ومآل. هي اليوم مجرد مدخل بادر به الرئيس بوتفليقة؛ لكن بعد طول تراخ في الاستجابة لنداءات الملك؛كما تعززت بنداء الرئيس التونسي السابق،المنصف المرزوقي.
إن بعث الاتحاد المغاربي ،على أسس جديدة، لا يمكن أن يتحقق – جزائريا- إلا بدولة صادقة في مدنيتها وديمقراطيتها؛دولة تستجيب للطموح الحقيقي لشعب الجزائر،وللشعوب المغاربية.
إن الرهان على الاتحاد المغاربي لايجب أن يُربط بالظروف الإقليمية فقط؛بل بمصالح الشعوب؛ومنها وضعها على سكة الاتحاد والتلاحم ،في جميع المجالات.
إن ما مضى بين فرنسا وألمانيا من حروب يجعل التفكير في تكاملهما الأوروبي الحالي ضربا من السريالية؛فهل نفشل نحن والجزائر،وأخوتنا التاريخية ،ولغاتنا ومذهبنا ،أقوى من الغبش الطارئ؟
وعليه فقد كِدت أصدق ، وقد أصدق،لأن آخر هوايات الرئيس الجزائري الإنشاء..
وليت هندا أنجزتنا ما تعد *** وشفت أنفسنا مماتجد.
رمضان مصباح الإدريسي