يتولّى محمد عبد العزيز (المراكشي) منذ 1976 رئاسة “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، أي الجمهورية الموهومة في مدارك قادة “بوليساريو”، حركة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، التي صنعها معمر القذافي وهواري بومدين، ذات يوم، في سبعينيات القرن الماضي، لمواجهة “رجعية” الملك الحسن الثاني.
ومناسبة الإتيان على هذا الرجل، هنا، رسالته، قبل أيام، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، احتج فيها على زيارة العاهل المغربي، محمد السادس، أقاليم المغرب الجنوبية، والمشهورة بالصحراء المغربية (وإنْ تسميها الأمم المتحدة الصحراء الغربية). وطالب مجلس الأمن بالحيلولة دون قيام الملك بالزيارة التي اعتبرها (سيادته، بحسب برقيات التهنئة التي يتلقاها من عبد العزيز بوتفليقة)، “خطوةً تصعيديةً تتنكّر للقانون الدولي”. ولم يكترث كي مون، ولا أي موظف في الأمم المتحدة، بتلك الرسالة الطريفة التي يُغبط صاحبها على فائض “الدونكوشيتية” الظاهرة فيها.
لا يُشغل محمد عبد العزيز نفسه بحقائق السياسة والتاريخ والجغرافيا والواقع، وأولها أن انفصال الصحراء عن المملكة المغربية مستحيل، وإن تجنّب خافيير بيريث دي كويلار هذا الوضوح، وآثر، في كتاب له، اعتبار هذا الأمر “غير واقعي”. ومن أهم هذه الحقائق أن مشاغل المغاربة الصحراويين (542 ألف نسمة) في مدنهم وبلداتهم وقراهم ودساكرهم (37% من التراب الوطني للمملكة) هي النهوض بأحوالهم، وتطوير أوضاع شبابهم، ولا شيء آخر. وعندما يعلن الملك محمد السادس، أخيراً، أنّ المغرب قدّم أقصى تنازلٍ ممكن، بطرحه في العام 2007 خطة الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية ضمن السيادة المغربية، وعندما تدأب الرباط على تذكير من يلتحقون بعبد العزيز، في مقامه الجزائري، بقولة الحسن الثاني إن “الوطن غفير رحيم”، فإن هذيْن الأساسين ركيزتان في أي عمليةٍ سياسيةٍ، يمكن أن تُستأنف من أجل حل “قضية الصحراء” التي كان بطرس غالي قد اعتبرها، قبل أكثر من عشرين عاماً، ثاني أعوص قضايا العالم (بعد قبرص).
زار الملك محمد السادس مدينتي العيون والداخلة في الصحراء، وأعلن من هناك، عن مشاريع تنموية كبرى، وقد قدّر لكاتب هذه السطور أن يجول، مع وفد صحافي عربي، وبضيافةٍ حكوميةٍ، على مشاريع قائمةٍ وطموحةٍ هناك، في قطاعات تحلية مياه البحر، وصيد السمك، والفوسفات والطاقة، واستمع في الداخلة والعيون، قبل ثلاثة أعوام، من سكانها المغاربة، عن تطلعهم إلى تعليمٍ متطور وفرص عمل متجددّة وترقيةٍ لحواضر مناطقهم. وفي الوقت نفسه، ينخرطون في معركة المضي باتجاه مزيد من الإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدهم الواحد. ولا ينكشف سرٌّ هنا، في الإحالة إلى إجابات مسؤولين مغاربةٍ التقيناهم، على أسئلتنا عن “مستجدّات” قضية الصحراء، وكانت إجابةً واحدة، وتنطوي على تعبيرٍ كاشف وذي دلالة، يدعو “إخواننا الجزائريين” إلى الهداية، في تأكيد المؤكد، هو أن القضية، في جوهرها، جزائريةٌ مغربية، فإذا ما كفّت الجزائر عن إسنادها المهول “بوليساريو”، وتخفّفت من همّتها الدؤوبة، والنشطة في العالم، في التنغيص على المغرب في هذا الملف، فإن القضية ستجد حلها المشتهى، ولن تكون لقولة بطرس غالي تلك وجاهتها.
يعتزم مجلس الأمن، في إبريل/ نيسان المقبل، إجراء مراجعةٍ لجهود الأمم المتحدة في مسألة الصحراء، والمتوقع أن يكتفي بتمديد وجود قوات حفظ السلام “مينورسو” هناك، والتي أُرسلت، بعد وقف إطلاق النار في العام 1991. أما جهود المبعوث الأممي، كريستوفر روس، من أجل ترتيب جولة مفاوضات جديدة بين الرباط و”بوليساريو”، فالمؤشرات لا توحي بنجاحها، وإنْ سيحاول بان كي مون الذي يزور المغرب، ومن ضمنه الصحراء، الشهر المقبل، أن يصيب نجاحاً في هذا الأمر. والظاهر، في هذه الغضون، أن المراوحة هي الأوضح في كل هذه التفاصيل والتقاطعات، فالمغرب على ديدنه في الدفع النشط بمشاريع تنمية أقاليمه الصحراوية، و(فخامة) محمد عبد العزيز على أوهامه، عندما يطلب من مجلس الأمن منع الملك محمد السادس من التجول في مدن مغربية.
معن البياري.